بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الميامين.
ممثل فخامة الرئيس،
دولة الرئيس نبيه بري،
ممثل دولة الرئيس الحريري،
أصحاب الدولة والمعالي والسعادة والسماحة والسيادة،
أخواتي، إخواني،
اجتمعنا من أجل الإنسان، هذا الإنسان الذي من أجله كانت الأديان، على رأي الإمام السيد موسى الصدر وقد انتهجه من فهمه لله والكون والأديان والإنسان للتعامل مع من اعتبره سيدًا على الكون، أو البطل الوحيد على الأرض حسب قراءتنا للإمام الصدر. ومن هنا كان أن للإنسان بُعدين: بُعد على الأرض وبُعد نحو السماء، ويقدم لنا الإمام الصدر ترابط حركات ثلاث في هذين البعدين:
أولًا- في أن يكون الإنسان عادلًا انسجامًا مع دقة وانتظام حركة الكون وعدالتها التي هي صورة من عدالة الله.
ثانيًا- في عملية "التفاعل بين الإنسان والعالم ليكون التطور وهو الغرض من وجود الإنسان"، سُخرت له جميع القوى الكونية ليكتشف أسرارًا، يطور مما اكتشف حياته وبالتالي مجتمعه وهكذا... فـ"الإنسان والكون بتفاعلهما تتطور الأشياء" على قول الإمام الصدر. ولنا بعد هذا أن نلحق كرامة الإنسان وضرورة حفظها في ذاته وفي مجتمعه من مظاهر عدله، وقد خلقه الله من جنس الأرض وعلى يده، ونفخ فيه من روحه ليكون خليفة له في الأرض.
وثالثًا- يحدد الإمام الصدر أربعة أسس يعتبرها تعريفًا للإنسان، وفقدان أي منها تجرده من إنسانيته علة وجوده، وتحرفه عن دوره المرسوم من الخالق سبحانه، والعناصر أوجزها بما يلي:
1- الإنسان شخص عينيّ ممتلك قراره الصادر عن إرادة حرة.
2- الإنسان جزء من هذا الكون متفاعل معه وفاعل فيه.
3- الإنسان عنصر حقيقي من مجتمعه متأثر به ومؤثر فيه، والمجتمع هو من صنع الإنسان وليس شيئًا مفروضًا من الخارج كما يقول الإمام الصدر.
4- الإنسان مخلوق الله والعائد إليه والحافظ لأمانته.
من إصرار الإمام الصدر على هذه الركائز، ندرك توجيه جهوده إلى العمل المجتمعي وتنشئة جيل يحقق وجوده فيخاطبه فيقول:
"أقول لك أن الكون منظم تحت الميزان، مؤدٍ للأمانة. لكن: أنت البشر الذي يعيش في هذا الكون عليك أن تكون دقيقًا في الميزان، ولا تبخس في الميزان أي لا يكون ما تعطي أقل مما تأخذ".
كأن إنزال الميزان بعد رفع السماء، لينتصب قانون العدل في الناس... ولكن الناس (المجتمع) هم مجموع أفراد، ولا يكون هذا المجموع مجتمعًا إذا انغلق على نفسه فلا يصح عليه تسمية غير مجموع. أما مجتمع الإمام الصدر الذي يشكله هو في التبادل بين الفرد ومجتمعه فيقول:
"فالإنسان في تكوينه، في حياته في ثقافته، في حاجاته وفي كل شيء جزء من مجتمعه ومتأثر بمجتمعه"، ويتابع: "لا يمكن أن نهتم بوضع الفرد ونتجاهل وضع المجتمع. ثم يتساءل: "ولكن هل يكفي وجود الأفراد لتكوين المجتمعات؟ والجواب: كلا! ثم يتوسع بالشرح ليخرج بالنتيجة: "فإذًا، تكوين المجتمعات قائم على أساس التبادل". ثم يعيد أسباب التبادل إلى واحد من ثلاثة:
1- التفاوت في الكفاءات: يقول:
"فكما أن البشر شكله الجسدي يختلف أحدهم عن الآخر، كذلك يختلف البشر في شكله النفسي، في استعداده، في كفاءاته، فتفاوت أفراد البشر يجعل جريانًا بين فرد وآخر".
2- إن البشر أمامه أهداف ومنافع وغايات هي أعظم من الفرد وأقوى من الفرد. بحيث لا يمكن للفرد وحده أن يحقق تلك الأهداف، وأن يصل إلى هذه المنافع، ولهذا هو يحتاج إلى التعاون مع الآخرين لكي يقوى ويتمكن من تحصيل تلك الغايات، والوصول إلى تلك الأهداف.
3- الإنسان أمامه أخطار وأعداء ومضار هي أقوى من طاقاته الفردية، فإذا كان وحده غير متعاون مع الآخرين، فلا يمكن أن يتغلب على الصعاب، ويكافح الأعداء ويدافع عن نفسه.
وبعد شرح طويل لعلاقة الإنسان ومختلف المجتمعات بالكون وتأكيدًا للرباعية التي ذكرنا في تعريف الإنسان، وأن الإسلام يعمق ويكرس الشعور المدني في الإنسان ويقدسه، ومن يود الانسجام مع الكون أن يكون دقيقًا وأمينًا باعتباره الوحيد الذي يؤدي الأمانة بإرادة الحق والواجب، يعود إلى تحميل الإنسان مسؤولية ما يقع في المجتمعات باعتبار أن المجتمع من صنع الإنسان وليس شيئًا مفروضًا عليه من الخارج، وأن ما يحدث في المجتمع ناتج من الأنظمة التي هي من صنع يده ورهن إشارته ومن خلقه. فالمجتمعات من صنع البشر، وعليه أن يكوّن منهجًا تربويًا يشكل المجتمع الصالح على ما يريد لمستقبل الجماعة.
هذا جانب موجز من صورة الإنسان عند الإمام الصدر الذي أراده قائمًا على الركائز الأربع وعمل له.
شكرًا لإصغائكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.