مثله الاب ابراهيم سعد
سماحة السيد موسى الصدر ممثلًا بالعائلة الكريمة، يا أحبة،
موسى الصدر وجه ووهج إذ كان مصدر إشراقات صادرة بآن عن قلبه وعقله ومضيئة للإنسان في لبنان كائنًا ما كان مصدر فكره وأية كانت عقيدته. كان يأخذنا إلى الله ويعود بنا منه إلى الإنسان في أناته ووجعه. غير أن الآلام ما كانت مدى الإمام إلا ليغلبها الموجع في امتشاقه إلى الفرح وهذا هو نصر الله فينا.
كان السيد يصرخ صرخة الفقراء ويرتاح إلى سماحها عند العادلين ويتجلى الحق في المشاركة بين الشريحتين. إذ ذاك، كنا نحس أن الملك لله وأنه هو الوهاب وإذا ما وهب تكون الملكوتية.
وإذا سادك الله بها نقر في المحبة أي أنك تكون مبذولًا ليحيا الآخر. أن يكون هذا كل شيء عندك ليعلو الله بك وفيه... هذا يلخص كل الرسالة التي حملها شيخنا في جهاد نازل عليه من السماء وغيّر بها الأرض إلى حين. غير أن الأنوار التي شعت على يديه أضاءت أرضنا ومن عليها وشدتنا إلى طلب العظائم.
واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلًا... تبتلت روحه إلى ربها وانصرف عقله إلى شأنه تعالى انصراف الرهابين إليه، وهو القائل: إن من أراد النجاح عليه أن يهاجر عن ذاته وعن شؤون الذات إلى الله وإلى خدمة خلق الله. يجذبه الإشراقيون وكأني به يحلو له الاستماع إلى النورانيين من كل مذهب لأن نفسه عاشقة للبهاء الرباني الذي يأخذنا جميعًا. يتحسس الحق حيث يلقاه يقوله غير وجل في مراعاة من قد تبهره دفقات النور لأنه قبل كل شيء راعٍ لشعب يحب، لفقراء يفتقد بحنان الأبوة وبساطة التقى وصدق المعشر. يقول: الصدق مقياس كمال الإنسان والكذب عجز الإنسان.
في انطلاقه من الإسلام غدا مفكرًا انسانيًا هاجسه الإنسان ودأبه تقويم الشباب وحراسته فيستلذ القوم الاستماع إليه، لأنه يحاول إدراك الأبعاد الإنسانية في إطار ثقافة رحبت أرجاؤها، فإن كانت القيم الإنسانية الكبرى فحوى الشعور الوطني، يمكن أن يتسع الوطن أو يضيق ليرعى هذه القيم بأكثر فاعلية. ذلك لأن كرامة الإنسان وحريته وانفتاحه الكامل من الحرية إلى اللانهائية هي محتوى الوطنية، وبدون هذا المحتوى حياة البلد كلها ثرثرة قتالة وعاطفية مخربة.
لا يبرر قيام بلد إلا حمله لرسالة، ولا رسالة إلا والنهائي فيها هو الإنسان في تفتق لا يحد. عرف أن الارتفاع إلى الله شرطه امتداد الإنسان إلى أخيه، وأن موقفنا من الإنسان هو امتحان لصدق موقفنا من الله. أعطاه ربه فكافح الليل ما أمكنه الكفاح حتى أسفر الصبح على من أحب قال: ﴿الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع﴾ [السجدة، 16] هم الذين يسعون ويحرثون ويعملون ويذهبون ويمارسون الأعمال لخدمة أبنائهم وأبناء أمتهم. ولم يكن يريد صورة الإيمان بل الإيمان نفسه. تجاوز الشكل إلى المحبة القلبية اللازمة للاتصال الروحي.
أما الحرية عنده لا بد أننا كاسبوها إذا لم نبقَ شعب استلذاذ، أمة متسولة نستبكي لنأخذ. الجديد هو في هذا التحول من امتهان الأخذ إلى امتهان العطاء، وهو القائل: يتمكن الإنسان من أن يموت موتًا حقيقيًا وهو في حالة الحياة، وذلك إذا تجمد وما أعطى؛ في مكان آخر: علينا الاحتفاظ بالبعد الإنساني للإيمان فمن لا يحب الإنسان ولا يخدمه لا يؤمن بالله عز وجل. عنده الإنسان الخلاق ينشىء الجديد. إن الجديد يمتد إلى الموهوبين إلى الأمة فالعبادة المكتفية بنفسها رئاء...
جبل عامل حصن للبنان واحد، لبلد يأبى التفتت. كان السيد شهادة صارخة لأن الدولة العصبية الطائفية باطلة أساسًا لا إنسانية مطلقًا. قد تصتحب المعية اللبنانية توترات، ولكن الصبر شيمة أهل العزائم الخالقين لتاريخهم المحطمين للصنميات. إن اندفاعه في سبيل هذه الارض وإنسانها زادنا إيمانًا بها وبه. كان معلمًا للإخلاص مرشدًا إلى السماحة الباقيات الصالحات التوق إليها يغير البلد والشوق إليك ونحن نواجه الدنيا.
اليوم تنفعنا منك عظة.