كلمة غبطة البطريرك غريغوريوس الثالث لحام بطريرك طائفة الروم الكاثوليك في مؤتمر "كلمة سواء"11 تحت عنوان "اجتمعنا من اجل الانسان"، الانسان في رؤية الامام الصدر

calendar icon 12 كانون الأول 2009 الكاتب:غريغوريوس الثالث لحام



مثله حضرة الاب غابي هاشم

أصحاب الدولة والمعالي والسعادة،
أصحاب السيادة والسماحة،
أيها الإخوة والأخوات المباركون،
لقد شرفني صاحب الغبطة، السيد البطريرك غريغوريوس الثالث الكلّيّ الطوبى، بانتدابي لتمثيله في مؤتمر "كلمة سواء" الذي يجمعنا هذه السنة حول الإنسان في رؤية الإمام الغالي والمغيب ظلمًا السيد موسى الصدر.

في هذه الأيام المباركة التي يستعد فيها المسيحيون في العالم للاحتفال بعبد ميلاد الربّ يسوع المجيد، يتذكرون أولًا أنّ الله عزّ وجلّ، كشف عن ذاته لهم في شخص يسوع المسيحّ العمّانوئيلّ الذي تفسيره "الله معنا"، مؤكداً أنّه مع الإنسان إلى غاية الحبّ. كما أن المسيحية، باستنادها إلى الكتاب المقدّس تعلم بأن الإنسان موضوع حب الله، مخلوق على صورته ومثاله، شخصًا يتحلى بالوعي والإرادة ويتمتع بنعمة الحرية الغالية.

فبين الله تعالى اسمه والإنسان، علاقة شركة وجودية ومصيرية، ذهب بعض الآباء القديسين في شرقنا ومنهم القديس غريغوريوس النزينزي في التعبير عنها إلى القول بأن: "الانسان خرج من قلب الله، وإلى هذا القلب سيعود".

وكما هو معلوم من الجميع، أن الأديان على وجه العموم، ولا سيما التوحيدية منها على وجه الخصوص، ذات الجذور الإبراهمية المشتركة، التي نشأت على أرض شرقنا الحبيب، تعتبر أن مبتغاها الأسمى، بعد تأدية العبادة الحارة والصادقة لله تعالى عز وجل، لشكره على نعمه السخية، هذا المبتغى ليس سوى السعي إلى خير الإنسان أينما وجد.

هذا الإنسان خليفة الله على الأرض، خلقه الله تعالى ليعيش في السعادة، وينعم بالهناء متمتعًا من خيرات الدنيا، سائرًا بحسب شريعة الخالق وخاضعًا لوصاياه. وهذا ما صرح به جليًا، سماحة الإمام موسى الصدر في كنيسة الكبوشية في 18 شباط 1975 حين قال: "اجتمعنا من أجل الإنسان الذي كانت من أجله الأديان. وكانت واحدةً آنذاك، يبشر بعضها ويصدق أحدها الآخر، فأخرج الله الناس بها من الظلمات إلى النور بعد أن أنقذهم بها من الخلافات الكثيرة الساحقة والمفرقة، وعلمهم السلوك في سبيل السلام. كانت الأديان واحدة حيث كانت في خدمة الهدف الواحد دعوة إلى الله وخدمة للإنسان. وهما وجهان لحقيقة واحدة". لقد فقه هذا الإمام العظيم العلّامة سر الله والأديان والإنسان على أفضل وجه، حتى صار علامةً ومثالًا للكثيرين يحتذى به. هذا ما علّمه، هذا ما كانه، هذا ما هو عليه، وهذا ما سعى إلى عيشه ونيله في حياته.

لكننا عندما ننظر إلى الإنسان في هذا الشرق الجريح، ينفطر منا الفؤاد لما آلت إليه حالته من الألم والحرمان والمعاناة. أجل! إن الإنسان في منطقتنا يستحق الكثير من الاهتمام والعناية لتبقى كرامته مصونةً، وحريته محفوظه. وفي سبيل البلوغ إلى هذه الغاية المنشودة، لا بد أولًا تحقيق السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط، وإحلال العدالة الاجتماعية، واحترام حقوق الشخص البشري، والسعي الدؤوب إلى ترقي شعوبنا.

فكم من الأسر المحرومة تعاني من الفقر المدقع، فيما يبحث أربابها عن فرص العمل للتمكن من تأمين العيش الكريم، والمسكن اللائق، والدراسة الضرورية لضمان المستقبل الآمن لأولادهم. وكم من الشباب الحائر، الذي بات يحلم بالهجرة هربًا من المعاناة والأفق الضيق. ناهيك عن انحصار مجالات الانطلاق في بناء الذات، والإسهام الفاعل في حياة المجتمع والأوطان، وهذا ما نادى به سماحة الإمام بسبب الفساد والرشوة والمصالح الضيقة وعدم قدرة الأنظمة على مجابهة شر المعضلات السياسية والاجتماعية، وعلى إيجاد الحلول الناجعة لمثل هذة المشكلات.

فلا بد لنا اليوم، وأمانة لفكرالسيد المغيب سماحة الإمام السيد موسى الصدر من التكاتف والتآزر والتعاضد، بالفكر والقول والعمل، في سبيل الإنسان، في العراق وفلسطين ولبنان، وفي سائر الأوطان العربية، علّ الله يمن علينا، في هذا اللقاء وفي حلول الأعياد المباركة، بنعمه الغزيرة، لنعيش إخوة في ظل التعاليم الروحية التي تنادي بها دياناتنا السماوية، وفي رحاب مجتمع يتوق على الدوام إلى احترام الشخص البشري وصون كرامته.

أيها الإخوة والأخوات،
لا شك في أن التحديات التي تواجه المسيحية والإسلام في عالم تطغى عليه المادية، ويسود فيه الظلم والإرهاب، وحيث النزعة إلى التعصب البغيض والمذهبية الضيقة تتفشى يومًا بعد يوم، تحديات كبرى وخطيرة. ألا وفقنا الله لتحقيق غاية المسيحية والإسلام في نشر نور الله على الأرض والإسهام في إحلال السلام، وبناء الأخوة الشاملة بين الناس، وإحقاق الحق، وسيادة العدالة الاجتماعية، ونشر لغة الحوار وراية المحبة.
والسلام عليكم.

source