لبنان والإنسان في رؤية سماحة الإمام موسى الصدر
أحيي هذا الحضور الأكاديمي الفخم، أحيي الإخوة والأخوات، وأحيي طبعًا الجهة صاحبة الدعوة إلى هذا المنبر الذي نتشرف باعتلائه اليوم. موضوع البحث هو: "الإنسان في رؤية سماحة الإمام موسى الصدر"، بل الوطن والإنسان.
خير من أن يكتب المرء في الإمام موسى الصدر، صاحب الحضرة الدائمة، ذات المهابة، أن يقرأ ما كتبه الإمام، أو أن يتلو مقاله، ويحفظ كلامه، ويردد حديثه، ويسمع باتقان عظاته أو خطابه.
أقول هذا من قبيل المصارحة. وأقوله بعد أن تفرّغت لإعداد هذا البحث، أو هذه المداخلة الخاصة بالمؤتمر الحادي عشر "لكلمة سواء" بدعوة كريمة تفضّل بها "مركز الإمام موسى الصدر" المؤسسة المعطاء، ذات الحيوية المميزة، بتميّز الفاضلة السيدة رباب الصدر، والسيّد صدر الدين الصدر مع نخبة القيّمين على إدارة المركز، وهم في الوقت عينه كوكبة من الرسل الأخيار، الذين يتعاملون مع الإمام المارد، المعلم القائد، على أنه تراث بحاله، مشاع لأهل الطلب، تراث يؤتمن عليه أبناء مدرسة الإمام، ورفاق مسيرته.
على سبيل الامتنان والعرفان، أضيف أن مركز الامام الصدر، تكرّم بتزويدي بما يعينني على إعداد هذا البحث إذ دفع إليّ بمجموعة من المراجع، بعضها محاضرات، وبعضها الآخر أحاديث وحوارات أجراها الامام مع أهل الصحافة، وبين هذه جميعًا، ما هو مسجّل بصوته !!
آهٍ كم اشتقت إلى ذلك الصوت!! آهٍ كم اشتقت إلى الترحيب به زائرًا عظيمًا لبيتي الوالدي، حيث كان يحل ضيفًا متواضعًا، ليجالس بولس سلامة حول مائدة متواضعة أيضًا، كان أطيب أطايبها بل أكبر مفاخرها، حلول الإمام في أحد مقاعدها!!
عكفت إذًا على مطالعة المراجع، ورحت أحدد المقاطع التي يجب أن تمثل في عملي بحرفيتها، عملًا بواجب الأمانة على محتواها، وكي لا يشكل التصرّف بنصّها، عدوانًا غير مقصود على بنيانها ومضمونها، فلما انتهيت من تعيين المقاطع المراجع، ساورتني الفكرة، لا الحيلة، بأن أستعيض عن التأليف والكتابة بالتلاوة وحدها، يقينًا بأنه ما من جهد، حتى ولو كان مبدعًا، يستطيع أن يرقى إلى المستوى الذي بلغه الإمام موسى الصدر، في كل ما كتب، وما خطب به، وما تحدث عنه، وما حاور فيه، بدون أي مفاضلة – على صعيد الجودة والاتقان – بين الموضوعات كلها بخاصة موضوع الإنسان ولبنان في رؤية الإمام.
قلت موضوع الإنسان ولعل الأصحّ هو أن نقول "قضية الإنسان"، أو "الإنسان القضية" التي تعامل معها الإمام الصدر كعلامة مجتهد، وبصفة كونه المرجع القيادي الديني ، فكان من الطبيعي أن يخصّ الإنسان المسلم بالتعريف، والهداية والتعليم، انطلاقًا من بعض ما أُنزل في سور القرآن الكريم، أو ما ثبت بالحديث الشريف، وأن يتوجه إلى الإنسان اللبناني، بل الإنسان بالمطلق، بكلمة الهداية والتوعية، فيدعوه إلى النهوض بمسؤولياته حيال مجتمعه ووطنه.
-أ- الإنسان في الإسلام.
الإسلام، كما يقول إمامنا، يسعى إلى تكريم الإنسان،- ولعل الجمهور الكريم سيلاحظ أن هنالك تقاطعًا واضحًا بين هذه الكلمة وبين ما سمعناه من فضيلة رئيس الجلسة ومن الدكتورة سعاد الحكيم، هذا التقاطع كان لا مفر منه، نحن نلتقي على ذرى الفكر كما يقال، ومن الطبيعي إذًا، أن يكون هنالك شيء من توارد الخواطر وهنا لا أسميه توارد خواطر بل هو الخاطرة التي تحكمنا جميعًا آتية من فكر الإمام. الإسلام، كما يقول إمامنا، يسعى إلى تكريم الإنسان خليفة الله سبحانه، على الأرض، فيهتم بحصانته في مواجهة الانحطاط والانحراف، "فيقترح المجتمع الذي يتناسب مع واقع الإنسان، ويعترف بجميع جوانب وجوده، ويهيىء الجوّ الملائم لنموّ مواهبه وتركيبة مواهبه" (1) .
ومن الراهن أن تكريم الإنسان في ما يسعى اليه الإسلام هو إعزاز كرامته عبر التربية، والترقّي، في مختلف الحقول، وبهذا المعنى قال الإمام:
"فالخطوة الاولى في طريق تربية الإنسان، ورفع مستواه، في جميع حقول التكامل، هي في جعله يشعر بكرامته، ويهتمّ بشؤون نفسه" (2) .
كأن الامام قد عنى بهذا الكلام ضرورة إعداد الإنسان ليس من أجل أن يكون فقط فردًا ناجحًا بذاته، بل ليكون جزءًا أساسيًا فاعلًا في تركيبة المجتمع، غير أنه يمضي إلى ما هو أبعد فيقول ما معناه، أن لا حاجة للمجتمع أصلًا، ما لم يكن الإنسان هدفه، بدليل قوله :
"وحيث أن الهدف من تكوّن هذا المجتمع هو الإنسان، والعنصر الاساسي لإيجاده هو الإنسان أيضًا، فلهذا يجب النظر إلى واقع الإنسان والتخطيط على ضوء هذا الواقع" (3) . هذا كلام مقتبس.
ثم اشترط موسى الصدر للمجتمع شروطاً- ورد بعضها في ورقة الدكتورة سعاد- رافضًا أن يكون مجتمعًا "شخصانيًا" أنانيًا متنكرًا لجانب أساسي من وجود الإنسان، قاصدًا بذلك الجانب الاجتماعي من حياته. وأعلى شأن التربية حماية للإنسان من النزعات الشريرة، كالأنانية التي عناها القرآن الكريم إذ تكلم على النفس الأمّارة بالسوء، محذرًا من خطر تفشّي الأنانيات الفردية، وغلبة القويّ على الضعيف، ما يؤدي إلى إهمال الجانب الآخر من القيم الاجتماعية والإنسانية والوطنية، أي الحرية والاستقلال، وما يناقض حقيقة المجتمع، الذي يقترحه الإسلام، وهو المجتمع الذي يعترف بوجود الفرد بجميع خصائصه الشخصية والاجتماعية (4) .
هكذا أتقن إمامنا المكرّم تحديد موقع الإنسان من المجتمع، وموقع المجتمع من الإنسان، متلاقيًا عفوًا مع ما ذهب إليه أحد المفكرين الفرنسيين الذي تكلم على وظيفة السياسة في مجتمع الإنسان، مؤكدًا أنه لا وجود للسياسة من أجل السياسة كالفنّ للفن مثلًا، بل هنالك فقط سياسة من أجل الإنسان والمجتمع، قائلًا بالحرف: "إن السياسة هي الاجتماع"، “La politique c’est le Social”.
برؤية العلامة المجتهد، والبحّاثة في علم الاجتماع، تحدث سماحة الامام عن جدلية قائمة بين فطرة الخير في الإنسان، وصراعها مع نزعته إلى الشر، معتبرًا أن العمل البشري الإيجابي والخيّر، هو الذي لا يتعارض مع حقوق الآخرين، وينسجم مع مصالح المجتمع، أي ما عبّر عنه الإسلام بأوامر القلب السليم، أو النفس المطمئنة، فيما يندرج العمل المتعارض مع حقوق الآخرين، في خانة شهوات الانفس الأمّارة بالسوء، حسب التعبير الديني (5).
لخّص الامام الصدر، بكلمات، مقام الحق في تنظيم مجتمعات الإنسان –ليس فقط المسؤولية بل الحق-، وفقًا للأحكام العامة، وقال بوجوب مراعاتها، محدّدًا هكذا رؤيته لحرية الإنسان الفرد، في خط موازٍ لحرية الآخرين، تنتظم ضمنه حقوق الأفراد ومصالحهم مع حقوق المجتمع ومصالحه، ورفع حق الآخر إلى مرتبة القداسة قائلًا: "على كل مسلم احترام الآخرين في أشخاصهم وأعراضهم ويُحرّم عليه التعدّي عليهم بالفعل أو القول".
وأضاف بالحرف :
"ومن التعاليم الإسلامية المعتمدة على مبدأ تكريم الإنسان، أصل قداسة حاجات الإنسان كلها. فالإسلام يعترف بجميع هذه الحاجات ويعتبرها نعم الله، ويضع أحكامًا لتوجيه هذه الرغبات، ويعترف أن السعي لتلبيتها بالصورة المشروعة عبادة. فالتجارة والزراعة والبناء عبادات، والكدّ في طلب الرزق الحلال جهاد، والاتقان عبادة... وأن الحديث الشريف اعتبر الذين يتفرغون للصلاة، ويتركون السعي إلى طلب الرزق ممن لا يستجاب دعاؤهم، وفضّل عليهم الذين ينفقون عليهم" (6) .
وفي رأي الامام أن ثمة رؤية في الإسلام لمجتمع الإنسان، وثمة رعاية في الإسلام للقيم الإنسانية يبدو من خلالها المجتمع بصورة الإنسان الكبير الواحد، إذ لا صراع فيه ولا طبقات ولا فئات، بل مواهب وكفاءات وطاقات متفاوتة، ولكنها متفاعلة ومتعاونة، ما يؤدي إلى اكتمال الكل بأخذه من الآخر، وسموّ الكل بعطائه للآخر.
ويرى موسى الصدر أن المجتمع، في الإسلام، يتكوّن من الإنسان كله، بدون امتياز فيه لفرد، ولا لطبقة، ولا لعنصر أو فئة "حتى ولا لأكثرية على أقلية، ولا العكس" (7) .
لا يسعني، وأنا أستعيد هذا الكلام، ببعده الإيماني، وبعده الوطني، سوى الدعوة إلى ملاحظة تلك الخاصة، أو الموهبة الرؤيوية التي كانت للإمام الصدر، خصوصًا في ضوء ما نحن فيه حالًا من التنظير السياسي الغريب، حول إستقلال الكثرة، أو "الأكثريات" على أنواعها، بتقرير مصير بلادنا، وغلبتها المطلقة على الأقليات أيًا يكن نوعها أو تعدادها!!
يقول موسى الصدر إن تمايز الشعوب، المشكّلة للمجتمع العالمي هو في الإسلام للتعارف، وللتبادل والتعاون، أي، بالنتيجة، للتكامل في البعد الإنساني، وفي المدى العالمي. وأما ولاء الإنسان لمحيطه وبيئته، فلا يصح أن يقترن "بالشعور بالتفوّق والعنصرية، فالوطن والقوم والعائلة ليست أصنامًا تعبد"... وأما الثروة في المجتمع الإسلامي فالإنسان يملكها، ولا تملكه، حتى لكأنها أمانة الله بيد الإنسان...
وعرّف الإمام موسى الصدر بمكانة الإنسان، في سلم الخلق، مستندًا إلى النصوص القرآنية الكريمة، وروحية تلك النصوص، فقال كلامًا، أرفع ما يمكن للكلام أن يكون –جاء بعض هذا الكلام في المقدمة التي تولاها حضرة رئيس الجلسة وأيضًا في كلام الدكتورة سعاد:
"ان الإنسان، في القرآن الكريم، مكرّم ومفضّل على كثير من الخلق، مخلوق في أحسن تقويم من أحسن الخالقين، وهو مخلوق بيد الله... إنه خليفة الله في الأرض، علّمه الأسماء، ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة بالسجود له، وسخّر له الشمس والقمر، والنجوم، والليل والنهار... إنه الموجود الوحيد الذي شرّفه الله بالعلم ومن إمكانية السيطرة على القوى الكونية وسائر الموجودات..." (8)
بنهاية القسم الأول من هذا البحث، وهو مخصّص لرؤية سماحة السيّد الإمام الصدر، للإنسان، في ضوء السور القرآنية الكريمة، والحديث الشريف، والتعاليم، أرجو ألا يظنن أحد، ان الخوض في هذا القسم، يعني أنه كانت للامام رؤية إلى الإنسان المسلم تختلف عن تلك التي للإنسان بالمطلق...معاذ الله!!
كل ما في الأمر، أني رغبت بتسليط الضوء على الجانب الإيماني في مدرسة الإمام موسى الصدر، واهتمامه بنشر قولة الدين في هذا الشأن، دلالة على انسجام القيم والمبادىء الإنسانية السائدة، مع تعاليم الإسلام، بنصوصه، ومفاهيمه، ومن أجل الدلالة أيضًا على أن الإنسان هو واحد في الجوهر، فإن لم يكن للآخر أخًا في الدين، فهو نظير له في الخلق، تمثّلًا بالإمام عليّ (عليه السلام).
ب- في القيم السماوية الجامعة، والمبادىء الوطنية، ووحدة المثل الإنسانية، في رؤية الامام الصدر
بعيدًا عن التعصّب، والتطيّف وسائر ما يعصف أحيانًا بمجتمع الإنسان، نتيجة للجهل بحقائق الأديان وتعاليمها، أو تبعًا لتحريض جهات شريرة، لا تعرف الخير ولا تريده للآخرين، اهتم الإمام الصدر بتعميم الهداية منطلقًا من المشابه الكثيرة بين تعاليم المسيحية والإسلام، مشددًا على ضرورة الخروج من كهوف الجهل والانعزال للارتقاء إلى الذرى التي يتلاقى عليها المجتمع الإنساني، والذرى تعني هنا العدل والسلام، والحق والمساواة، والعلم، والمعرفة، والتطوير، والتنمية، بشرية واقتصادية، وهذه جميعًا باقة من القيم التي لا يتخالف في عظمتها دين، ولا يختلف عليها إنسان.
من هنا جاء قوله: "كونوا في خدمة الإنسان تكونوا في خدمة الله، وفي خدمة محمد والمسيح (ع)... إن الدفاع عن الوطن، عن الإنسان، وعن كرامة الإنسان، وعن حرية الإنسان، دفاع عن الله، والموت فيه، موت في سبيل الله" (9).
ولأن الإمام موسى الصدر قد طلق المغاور، والسفوح والخنادق، وأقام في أعلى الذرى، فهو يتنسم الخير من حيث تهبّ النسائم، فيهتم بشميمها أكثر مما يهتمّ بمصادرها أو منابتها... حسبه من الأمر كله ما تحمله النسائم من مفهومه للخير الذي يؤمن به، ويعلمه، ويناضل من أجل نشره وتعميمه.
فسّر موسى الصدر في نضاله هذا، أحد أسراره التي حيّرت كثيرين من أبناء بيئته وجيرته وحتى من أبناء مذهبه، فقال ما معناه :
"أما سلوكي العلماني والاجتماعي حيال الطوائف الاخرى، فأنا لا أسميه سلوكًا علمانيًا، بل هو سلوك ديني محض... فهناك تديّن والتزام بالتعاليم الدينية الصحيحة يختلف تمام الاختلاف عن الطائفية السلبية، وعن الانعزال عن المجتمع... أما ما تجد من إتصالاتي مع أبناء الطوائف الأخرى، وتعاوني معهم حول الأهداف المشتركة، فهذا من صميم الدين، وليس تنكّرًا لمبادئه" (10) .
من الطبيعي أن يندرج هذا الكلام الشجاع، في اطار حرص الإمام على ترسيخ ما نسمّيه اليوم بالوحدة الوطنية، كهدف سامٍ يستمد منه لبنان أحد أسباب تميّزه، وطنًا غنيًا بتعدد أديانه وطوائفه ومذاهبه، وبالتفاعل الإيجابي بين هذا التعدّد الذي يعتبر إحدى أهمّ ميّزات هذا الوطن، بل هو بالتمام الخصوصية التي بررت قول قداسة البابا يوحنا بولس الثاني إن لبنان هو أكثر من وطن، إنه رسالة.
لم يكتفِ موسى الصدر بالعمل الميداني من أجل هذه الوحدة، في مجمل حركته، بل جعلها هدفًا محوريًا لطبيعة دوره، وعرّف بحقيقتها، وبأبعادها إذ قال:
"أعتقد ان الوحدة الوطنية لها معنى أعمق من توحيد المصالح، أو واجب احترام الميثاق الوطني، والإيمان بالعيش المشترك. الوحدة الوطنية في الحقيقة هي وحدة الأفكار والقلوب. إنها وحدة الأهداف ووحدة كل المواطنين في الأهداف والمعايير العامة لوجود الإنسان".
"هذه الوحدة هي وجود شعب، والتأكد من استمرار الوطن... ضمن هذه الشروط تصبح الوحدة الوطنية حقيقة يجب أن يعيشها المواطنون" (11) .
منذ العام 1977، أي في الوقت الذي كان فيه لبنان يتهاوى، بفعل محنته العبثية القاسية، وقبل أكثر من عقد كامل من وصول اللبنانيين إلى "وثيقة الوفاق الوطني" المعروفة باتفاق الطائف، كان موسى الصدر يفهم ويبشّر بالعقد الميثاقي بين اللبنانيين، مشددًا على الشراكة في المصير، وعلى الطبيعة الحقيقية لما أصبح اليوم ركيزة لنظامنا السياسي.
وعندي، أن فضيلة اتفاق الطائف ليست فقط كما يقال، إنها وضعت حدًا لاقتتال الاخوة، بل هي الوظيفة السياسية التي كانت لذلك الاتفاق لجهة إرسائه القاعدة الميثاقية لنظامنا السياسي، وجعله حقوق عائلاته الروحية، الإطار الناظم لتمثيل اللبنانيين في المجلس النيابي، وفي الحكومة، وفي مستوى معيّن من وظائف الدولة.
لم يقف موسى الصدر حائرًا بين كون تعددية المجتمع اللبناني نعمة من عند الله، أو نقمة حلت بأبناء هذا الوطن؟ لقد حسم الأمر بوضوح تام، جازمًا هكذا بالحرف :
"إن عناية الله جعلت تعددية المجتمع اللبناني تعددية متكاملة لا متناقضة، والعائلات الروحية، المكوّنة للمجتمع تؤمن جميعًا بالله... اللبنانيون جميعًا يؤمنون بالقيم الإنسانية المطلقة التي تنبع من الإيمان بالله، وخصوصًا بالمحبة، بالوحدة، بالعطاء المطلق، وبالصدق المطلق، ولذلك فإن المجتمع اللبناني رغم تعدديته هو أقدر المجتمعات على بناء حضارة واحدة متكاملة... إن الطوائف في لبنان هي نوافذ حضارية وثقافية. ولأنها متكاملة فإن تعدديتها تشكّل تماسكًا وتلاحمًا، كما الشأن في تعدد أعضاء جسد الإنسان" (12).
بعد ما يزيد على ثلاثة عقود من الغياب المؤلم والمضني، ما زلت أطرح على نفسي هذا السؤال: هل أدرك اللبنانيون عبر محنتهم القاسية والمتمادية، وصولًا إلى زمننا هذا، أن وحدتهم المنشودة – وهي بلا ريب سلاحهم الأقوى والأجدى- ليست شركة مصالح، وليست نصوصًا مكتوبة، وليست فقط عيشًا مشتركًا كما يقال عادة... إنها بالتمام كما رآها الإمام مسألة وعي، ومسألة إيمان، ومسألة وجدان، ومسؤولية مشتركة ليس فقط عن تعايش اللبنانيين معًا، بل عن حياتهم معًا؟!
لم يعلّم الإمام الصدر بالكلمة وحدها، رغم أن كلمته كانت مدرسة بحالها...لقد علّم بالدور والممارسة، وبالمثال الشجاع خصوصًا، وبهذه جميعًا أغنى لبنان بكنوز لا تفنى، داعيًا إلى جعل حقوق اللبنانيين، "أمانات" في عنق الواحد منهم حيال الآخر، حتى إذا اعتدت طائفة على حقوق أخرى، فإن الاعتداء يشكل انتهاكًا للبنان وعدوانًا يصيب الطائفة المعتدية، في آن معًا.
بهذا المعنى، جاء قوله:
"يجب المحافظة على لبنان، وطن الاديان والإنسانية. يجب أن نحافظ عليه بتعميم العدالة الحقيقية، العدالة التي تقضي بأنه إذا تعدّت طائفة من المواطنين على حقوق الآخرين، فإن هذا التعدّي انتهاك للبنان ولنفسها أيضًا" (13) .
لقد ألمحت إلى الشجاعة والإقدام، والمبادرة في شخصية الإمام، والشجاعة هي بلا ريب حلية رائعة من مزايا الإنسان. فهل يعني الكلام أن الإمام لم يكن يعرف أنه مهدد، وأن المخاطر تحدق به من كل صوب؟
أجاب موسى الصدر عن هذا السؤال بقوله:
"لا تستغرب إذا قلت إنني عندما أنتقل كل صباح جمعة إلى الجنوب لكي أصلي وأجتمع بالناس، أترك بيتي شبه مودّع لعدم ثقتي بالعودة، ولكني لا أتمكّن من أن أقتنع وأصدّق أنني معرّض لخطر من العدوّ داخل أرض وطني!" (14)
كلمة واحدة أقولها في باب التعليق على هذا الكلام :
هل كان سماحته يعتبر بعض الأوطان المسمّاة عربية امتدادًا قوميًا، او امتدادًا إيمانيًا، او امتدادًا مقاومًا، لأرض لبنان الوطن؟!
هل كانت "ليبيا" القذافي تستقيم في ظنّ الامام بميزان هذه القيم؟!
وهل كان يظنّ أنه قادر فعلًا على تحقيق طموحاته بلبنان، وإنسانه؟
لقد أجاب سماحته على هذا السؤال الأخير، بقوله:
"رغم ضعف إمكاناتي فإنني سأبقى ضميرًا يؤنّب، وكلمة ترتفع وتتفاعل حتى لا تتمكن إسرائيل من ابتلاع هذه المنطقة المقدسة" (15) .
لمقاومة إسرائيل أطلق حركة "أمل"، مقاومة لبنانية لهذا الخطر القائم والدائم والباقي، ما بقي ذلك الكيان السرطاني غاصبًا لفلسطين، الضحية الأبيّة ينهش، ويقضم أرض لبنان، وأنحاء عزيزة من الأرض العربية، عبر الاحتلال المجرم، وجرائم الحرب التي – بكل أسف- أبى بعض العرب، في الآونة الأخيرة، وبعض الدول الإسلامية، وبعض ما يعرف بالمجتمع الدولي، إدانة العدوّ بارتكابها، رغم كونها جرائم فظيعة، موثقة بالصوت والصورة، وبتقارير جريئة أصدرتها إحدى المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان، تابعة للأمم المتحدة!!
إنه العار الذي لا يفوقه عار!! إنه العار الذي ستحل اللعنة بمرتكبيه، لعنة الله، ولعنة التاريخ، ولعنة الإنسانية الحق، كلها جمعاء، وبدون استثناء!!
هل أخطأ موسى الصدر في أمر؟ هل خذله فكره في مسألة ؟ هل أخطأ في رؤية من رؤاه؟ أنا أجزم، في ضوء التجربة والواقع بأن الجواب هو لا... ولكن هل أخطأ في حسن ظنه ببعضهم؟ ورهانه على بعض؟ الجواب المؤسف هو نعم، لقد أخطأ أحيانًا – والعصمة هي لله وحده – فراهن على ما أسماه بالعروبة الحضارية، حالة داعمة للحق العربي، ملتزمة به، ومن المؤكد أنه في ذلك الرهان، لم يأخذ بالحسبان، ليبيا القذافي، ولا "عرب الاعتدال"، مصطلحًا لفظيًا شريرًا، يعني في حقيقته الاستسلام والانصياع للعبة الامم، لعبة المصالح، التي أتقنتها إسرائيل ومَنْ وراءها من عواصم القرار!!
ولكن، رغم هذا الفصل المشؤوم، ليؤذن لي بالعودة إلى مساحة مختلفة من مساحات الفرح، فأتحدث عن حلية الشجاعة التي إتصف بها الإمام، عملًا بالمسؤوليات الإيمانية والوطنية التي نهض بها، وترجمة لرؤيته إلى حياة اللبنانيين معًا، وترسّله في خدمة المبادىء والمثل الإنسانية.
هكذا، وبهذه الفضائل دخل موسى الصدر كنيسة الرهبان الكبّوشيين في بيروت في 18/2/1975، أي بداية الاحتقان الذي تحوّل إلى فتنة وحرب مسمّاة أهلية، وفي زمن الصوم لدى تلك الطائفة المسيحية، فألقى الإمام عظته التاريخية التي أعتبرها – ويعتبرها كثيرون مثلي – أعظم ما جاد به فكر، وأنبل ما خفق به قلب، وأجمل ما جرى به قلم، وأجود ما نطق به لسان.
الأوطان، والأديان، والإيمان، والإنسان، قضايا حاضرة في خطبة الإمام... والقيم، دائمًا القيم، وأولها الحرية والعدالة، ثم المثل والمبادىء الساميات، إلى جانب الأخلاق، فهذه جميعًا جوهر ما بشّر به، وما دعا إليه.
وعندي، أن عظة الإمام الصدر في كنيسة الكبّوشية، لم تكن كلامًا رائعًا معدًا لمناسبة بعينها، بل كانت نظرية فلسفية متكاملة تختصر واقع هذا الوطن، وتحدد حاجاته، وتقدّم نموذجًا راقيًا لفكر كان ليتكفّل وحده بدحض مذاهب المنظّرين لطبيعة الأزمات في هذا العصر، وزعم هؤلاء أنه موعد البشرية مع صراع الأديان، وصدام الحضارات!!
تضرّع موسى الصدر إلى ربه، في مستهل الخطبة قائلًا:
"ها نحن نجتمع بين يديك في بيت من البيوت التي تنسب إليك وفي أوقات الصيام من أجلك... قلوبنا تهفو إليك، وعقولنا تستمد النور والهداية منك، معتبرين أنك دعوتنا أن نسير جنبًا إلى جنب في خدمة خلقك، وأن نلتقي على كلمة سواء لأجل سعادة خليقتك. فإلى بابك اتّجهنا، وفي محرابك صلّينا. اجتمعنا من أجل الإنسان الذي كانت من أجله الأديان" (16) .
كأنه بهذه الكلمات الرائعات، قد قال للبنانيين، إن الكنائس والجوامع والمساجد والحسينيات، هي بيوت الله سبحانه، وفيها جميعًا تليق الصلاة لجموع المؤمنين، بمعزل عن انتمائهم إلى مذهب معيّن، أو طائفة ودين، لأن هذه كلها منابر للإيمان، وساحات للتلاقي ساميات، مكرّسة لخدمة الإنسان، وهدايته، بحكم هداية الأديان للإنسان.
أجل هكذا كانت الدنيا، قبل أن تعصف بها عواصف التطيّف، وتقوم قيامة التعصّب الذي نراه اليوم بصيغة الأصوليات، تتغذى بالإرهاب، وتمارس الإرهاب، عملًا بشريعة الوحش، عدو الإيمان، والأديان، عدوّ الحضارات كلها، والمثل والمبادىء والقيم. بكلمة: عدوّ الله والسماء والأرض، والإنسانية جمعاء.
غرف موسى الصدر من سعة اطّلاعه، ومن عظيم علمه وثقافته، ومن سماحة خلقه ما يوآخي بين التعاليم السماوية، وما يستوي بمعانيها في منزلة واحدة، ولعل حقيقتها هذه قد خفيت على كثيرين من اللبنانيين، وانكشفت لبعضهم الأقل، ولهذا السبب حرص الإمام على أن تكون خطبته التاريخية ضوءًا منيرًا هاديًا، يكشف ذلك الجوار المدهش، بل المقدس، بين ما قاله السيّد المسيح، وما قاله نبي الرحمة.
قال:
"ها هو السيد، عليه السلام، في محبته الغاضبة يصرخ: (لا...لا يجتمع حب الله مع كره الإنسان) فيدوّي صوته في الضمائر، ويرتفع صوت آخر لنبيّ الرحمة إذ يقول: "ما آمن بالله واليوم الآخر مَنْ بات شبعانًا وجاره جائع" (17).
بهذه الرؤية المنفتحة يستخلص الإمام من المسيحية والإسلام القواسم الجامعة، تأكيدًا على ذلك التلاقي الحميم بين الديانتين السماويتين، سواء تعلق الأمر بجوهر الإيمان، أو بقضية الإنسان،
هكذا يضيف:
"ويتفاعل الصوتان عبر الزمن، فإذا بالصدى يرتفع على لسان الحبر الأعظم، وبمناسبة الصيام...(إن المسيح والفقير شخص واحد...) ويغضب البابا كالمسيح في الهيكل، فيقول في رسالته الشهيرة "ترقّي الشعوب": "عظيمة كانت التجربة بأن تدفع بالعنف مثل تلك المذلات للكرامة الإنسانية".
ثم يسأل الامام :
"هل يختلف هذا الصوت الطاهر عما ورد في الأثر الإسلامي الثابت عن الهدف؟ مستشهدًا بقوله سبحانه: "أنا، أي الله، عند المنكسرة قلوبهم. أنا كنت عند المريض عندما عدته، وعند الفقير عندما ساعدته، ومع المحتاج عندما سعيت لقضاء حاجته" (18) .
ذلك هو الإنسان في إيمان الإمام موسى الصدر، هكذا هو في وجدانه، ورؤيته المطلقة، ولهذا الإنسان مكانته في الوطن، وهي مكانة يكاد يقول في أهميتها ما معناه: أن أهمية لبنان كوطن، وقف على مدى حرص الوطن على مكانة إنسانه في كل مطارحه، ومناطقه تلك التي يجب أن تحلّ في مسؤولية الحكام عنها جميعًا، بمنزلة الأمانات ذات الحرمات.
يقول الإمام :
"إن المناطق التي نعيش ويعيش فيها إنساننا اللبناني أمانة في أعناقنا وفي أعناق المسؤولين. الجنوب، والأماكن الأخرى، أمانات يجب أن تحفظ بأمر من الله، وبأمر من الوطن" (19) .
تلك الخطبة لم تحمل فقط هذه الروائع من فكر الإمام، بل استبقت واقعنا الحالي فحذرت من النيّات الخبيثة، التي تهدد مقدساتنا جميعًا، وتاريخنا، وتحاول إلغاء هوية فلسطين.
قال الإمام :
"لبنان هذا، بلد الإنسان والإنسانية، يبرز واقعه الإنساني من خلال المقارنة المعاشة في هذا اليوم مع العدو، عندما نجد أنه يشكّل مجتمعًا عنصريًا، يمارس السحق والتفرّق، بجميع أنواعه: الثقافي منها، والسياسي، والعسكري، حتى أنه يتجرأ على تحريف التاريخ، وعلى تهويد المدينة المقدسة، وعلى تشويه الآثار التاريخية" (20) .
هل هو من الضروري التذكير بأن هذا الكلام الذي يخيّل لقارئه أو لسامعه، أنه قيل أمس، قد كتب وقيل منذ نيّف وثلاثين عامًا، وفي 18/2/1975 بالتحديد؟!
هل هو من الضروري حقًا التذكير بأن ما بات يحكى اليوم عن عنصرية الكيان العدوّ، بل ما بات يصرّ عليه، ويطالب به حكام إسرائيل لإعلان كيانهم دولة يهودية، أو دولة لليهود، قد لحظه وتنبّه إليه، وحذر منه الإمام الصدر منذ ذلك التاريخ البعيد،، مستبقًا هكذا، برؤيته الصاحية أبدًا، الخطر الأكبر الذي يواجه المسلمين والمسيحيين والعرب أجمعين، في ظل غفلة متمادية – أو تواطؤ وتآمر حقيقيين – لما يسمى بالضمير الإنساني، ومسؤولية المجتمع العالمي؟
ثمة قاعدة لا تخطىء أبدًا مؤداها أن "الإنسان القضية" كان حاضرًا حضورًا محوريًا في كل حديث أجراه موسى الصدر في مجالسه، في كل حوار قام في المنتديات الثقافية أو الوسائل الإعلامية، في جميع خطبه ومحاضراته، أيًا كانت منابرها، وفي عظاته كلها، أيًا كانت بيوت الله، التي تلقى المواعظ في محرابها.
هكذا كان الإنسان في رؤيته، وفي الحاجات التي يجب أن تلبّى، والضمانات التي تصون كرامة هذا الإنسان، حقًا له صريحًا وليس التماساً ذليلًا. أما لبنان عنده، في حاضره وغده، فهو "المجتمع الواحد" الذي يضمن الحريات والعدالة والثقة المتبادلة، والعلاقات السويّة بينه وبين محيطه، تلك التي تفتح آفاق العمل للمواطنين، بعض أركان لبنان الغد... ولا شك في أن القيم المسلكية ضمانة نجاح أي مجتمع، بخاصة لبنان، وطن الإنسان" (21) .
ليؤذن لي أن أقف لحظة، عند جانب عظيم الأهمية،لا يجوز إهماله ولا تخطّيه، وهو يتعلق بخصائص تمتّع بها موسى الصدر في زمن مشتعل، شديد الاعتكار، هو الزمن الذي كان فيه الموقف الواضح الصريح هو الاستثناء، وكانت فيه القاعدة الغموض والميوعة والالتباس، بل الأدهى: التبعية، والعمالة والانصياع.
إن المواقف التي اتّخذها الإمام، والأفكار التي عبّر عنها، والدور الوطني الذي تولى قيادته كل ذلك، لا يقاس أبدًا بمقاييس هذا اليوم، حيث تبدو أوضاعنا العامة مقبولة – بظاهرها على الاقل – ولهذا السبب فلا تجوز مقارنتها، بما كان سائدًا في زمن المحنة التي عصفت بلبنان.
يومذاك، كانت حياة الناس معرّضة، والحريّات غائبة أو منتهكة، والحركة محاصرة بالخنادق والمتاريس، من كل صوب، وكانت الخطوط الحمر ترسم للناس حدود الأوطان، دويلات مصطنعة، "وكانتونات"، أي "مقاطعات"، مقتطعة من كيان الوطن، وكرامته وسيادته، وجغرافيته. كانت الأسوار، طائفية وسياسية، تعلو فوق أسوار لبنان الوطن، فتحوّلت هكذا أنحاؤه وآفاقه إلى سجون كبيرة، تحتجز فيها حرية الأحرار.
تلك هي الصورة التي رفضها موسى الصدر. ذلك هو المشهد الذي أعدّ المقاومة لاسقاطه... بل ذلك هو الواقع الشرير الذي تصدّى له، بكل الوسائل: بالموقف والخيار، بالكلمة الطيّبة والحوار، بالموعظة الحسنة، والخطبة الثائرة، بالغضبة المباركة، عملًا بالواجب الديني والوطني، إلتزامًا حرًا مستمرًا، وليس كما اتفق الحال!!
إن مَنْ كانت منزلة لبنان والإنسان عنده في مثل هذه المنزلة، ومثل هذاالمقام، يحق له – من دون الآخرين – أن يقول ما ردّدت صداه، بأمانة وخشوع، أرجاء كنيسة الكبوشيين، وأفئدة المصلين فيها مع الإمام الصدر، الذي طالما تجاورت صلاته إلى ربّه، مع إيمانه بلبنان والإنسان.
قال :
"ولبنان بلدنا، الذي يعتبر إنسانه رصيده الاول والاخير، إنسانه الذي كتب مجد لبنان بجهده وهجرته، وبفكره ومبادرته، إنساننا هذا هو الذي يجب أن يحفظ في هذا البلد".
"فإذا كان لغيره من البلدان ثروة، فثروتنا في لبنان، بعد الإنسان، إنساننا أيضًا. لذلك يتّجه جهدنا في لبنان، من المعابد حتى الجامعات والمؤسسات، يتّجه نحو صيانته، وصيانته بصيانة إنسانه، كل إنسانه، والإنسان كله، وفي مختلف مناطقه".
"وإذا أردنا أن نصون لبنان، إذا أردنا أن نمارس شعورنا الوطني، إذا أردنا أن نمارس إحساسنا الديني، من خلال المبادىء التي عرضت، فعلينا أن نحفظ إنسان لبنان، كل إنسانه، وطاقاته كلها، لا بعضها" (22) .
لو شاء أحد أن يلخّص معاني هذه الكلمات، فإن بوسعه التأكيد أن موسى الصدر قد قال: إنسان لبنان موجود، إذًا فلبنان الوطن موجود، والإنسان متّحد بلبنان، ولبنان متّحد بهذا الإنسان.
ربما تعددت بكثرة، المصارحات التي لجأت اليها في هذا البحث، ولكن لم يكن لي من هذا الأمر مفرّ!! أقصد طبعًا المرات التي استعنت فيها بالنص الذي احتوى مآثر أقوال موسى الصدر وأفكاره، كما هي مدوّنة في مجموعة آثاره وتراثه، وهي تندرج جميعًا في مصنّف الحدائق ذات الأرج والطيب، ومصنّف المهابة، متلازمة مع مهابة الإيمان الذي يتولاه معلم في شؤون الدين، وتندرج بداهة في مصنّف الإبداع، كخاصّة ملازمة لفكر الإمام، تتجلى في كل ما تصدى له من شؤون المجتمع والإنسان ووطننا الغالي: لبنان.
لقد بذلت جهدي، لأتحاشى تلاوة النصوص، فلم أوفّق!! ولم يكن السبب قصوري في مجال الكتابة والتأليف، بل كان من جهة – كما ألمحت في مقدمة البحث – استحالة تقديم ما هو أفضل، وكان من جهة أخرى، واجب الأمانة، وحرصي على توثيق رأيي بما هو موثق من آثار إمامنا العظيم سماحة السيد موسى الصدر.
فعذركم لهذا الأمر، ثم شكرًا للجهة العزيزة، صاحبة الدعوة، لقد شرفت قلمي بالخوض في الغمار الراقي، وانتفعت بعلم الامام، ولعلني بذلك قلت شيئاً عن انتمائي الوجداني إلى ذلك الطود العالي، وقلت كلمة شوق وحنين، رددتها بلساني، كأنني أنوب هكذا عن والدي بولس سلامة.
شكرتُ لكم حضوركم الفخم، ودعوتُ لكم بالتوفيق، فالسلام عليكم، ورحمة الله وبركاته.
___________________________
(1) "الإسلام وكرامة الإنسان" – منشورات مركز الامام الصدر للابحاث والدراسات – ص26
(2) ن.م صفحة 3
(3) ن.م صفحة 26
(4) بتصرّف: الإسلام وكرامة الإنسان، الصفحة 26 و27
(5) بتصرّف: ن.م ص 28
(6) الإسلام وكرامة الإنسان، ص 29
(7) "رعاية الإسلام للقيم والمعاني الإنسانية" منشورات مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات، بتصرّف، الصفحات 16 و17 و18
(8) -"رعاية الإسلام للقيم والمعاني الإنسانية" منشورات مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات، بتصرّف، الصفحات 14 و15
(9) حوارات صحفية 2، "الوحدة والتحرير" صفحة 13، منشورات مركز الإمام موسى الصدر
(10) حوارات صحفية (1)، "تأسيساً لمجتمع مقاوم " – صفحة 70-71 –منشورات مركز الإمام موسى الصدر
(11) حوارات صحفية (1)، "تأسيساً لمجتمع مقاوم " – صفحة 116 –منشورات مركز الإمام موسى الصدر
(12) حوارات صحفية 2 "الوحدة والتحرير" صفحة 331، منشورات مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات
(13) حوارات صحفية (1) " تأسيساً لمجتمع مقاوم" صفحة 331
(14) ن.م ، صفحة 425
(15) ن.م صفحة 423و426
(16) أبجدية الحوار –"محاضرات وأبحاث"، منشورات مركز الامام الصدر، ص165
(17) أبجدية الحوار –"محاضرات وأبحاث"، ص 167
(18) نفس المرجع، ص 168
(19) نفس المرجع، ص 174
(20) نفس المرجع، ص 174
(21) حوارات صحفيــة 2 – "الوحدة والتحرير" صفحـة 380-381، منشورات مركز الامام الصدر
(22) أبجدية الحوار – محاضرات وأبحاث للإمام موسى الصدر، منشورات مركز الإمام موسى الصدر، صفحة 173