حاوره محمد قره علي
* مهمتي الدينية تهدف إلى رفع مستوى الحياة الاجتماعية والثقافة الدينية.
* سأسعى جهدي لمحاربة التأخر الاجتماعي السائد في منطقة الجنوب.
* جميع الناس - ليس فقط المؤمنون - مستعدون لقبول الدعوة الدينية الصحيحة.
* سأسعى لجعل الشباب يثقون بصلاح دينهم وقدرته على مسايرة حياتهم الجديدة.
* أمنيتي أن يكون الشباب دائماً عند حسن ظن الوطن بهم، لأنهم دعامته.
* الدين ليس معارضاً للتقدم العلمي والاجتماعي.
* سأدعو جميع الطوائف لتركيز طاقاتهم على البناء والايجاب.
* لا يعنيني قيام وزارة أو نجاح نائب. ما يعنيني مساعدة الوزارة والنائب على العمل المثمر البناء ورفع مستوى حياة المواطنين.
أشارت "الحياة" منذ أيام إلى وصول العلامة السيد موسى الصدر، ليستقر نهائياً في صور.
ولكن من هو السيد الصدر؟
هآنذا أقف أمام شاب مديد القامة تلفه المهابة من رأسه حتى أخمص قدميه، يعتمّ بعمامة زرقاء.
كان مجلسه مكتظاً بالوافدين، وكان الحديث يدور على مستوى الإصلاح والإرشاد، فقلت له:
* أعرف أنكم من أصل لبناني، ولكن متى كان نزوح الأسرة، ولماذا؟
- أنتهي بنسبي إلى السيد صالح شرف الدين الذي نزح عن لبنان مع ولده صدر الدين إلى العراق منذ 150 عاماً، إثر حملة الجزار المعروفة في بلادنا هذه. وقد نال من ويلاتها علماء جبل عامل شروراً. منذ ذلك الحين نمت الأسرة الكبيرة في إيران والعراق، واتخذت إسم "الصدر".
*ومتى ولدتم؟
- ولدت في مدينة "قم" في ايران عام 1926.
*وعلى من تلقيتم علومكم الدينية؟
- في "قم" على الإمام البروجردي، وفي النجف الأشرف على الامام السيد محسن الحكيم.
*المعروف أنكم مجازون في الحقوق فمتى درستموها وأين، وبأية لغة؟
- درستها في كلية طهران باللغة الفرنسية.
*وما هي اللغات التي تتقنونها وهل لكم مؤلفات؟
- العربية، والفارسية، والفرنسية، وليست لي مؤلفات، وإنما عندي رسائل في الفقه.
*وهل لكم من غاية إلى جانب رسالتكم الدينية؟
- إن مهمتي الدينية بالذات تهدف أول ما تهدف في لبنان إلى رفع مستوى الحياة الاجتماعية بصورة عامة وإلى رفع مستوى الثقافة الدينية عند المسلمين بصورة خاصة، لأني أعتقد بأنه لا يمكن رفع المستوى الديني ما دامت الحياة الاجتماعية على ما هي عليه، ولهذا باشرت السعي في صور لبناء مؤسسة اجتماعية لتشغيل العاطلين عن العمل ومساعدة المحتاجين وايواء الأيتام وتعليمهم الصناعات والحرف بأساليب فنية حديثة. وقد نلت وعداً من مصلحة الإنعاش الاجتماعي في لبنان يحدد مساعدتنا بثلثي التكاليف.
*وماذا تعنون بالصناعات الفنية؟
- في مقدمتها صناعة السجاد العجمي، وفي حدود الزراعة، زراعة الشاي.
*وكيف يتيسر لكم ذلك؟ وهل تصلح تربتنا لزراعة الشاي؟
- أولاً سأستدعي معلماً خاصاً من طهران في صناعة السجاد. ثانياً بوصفي خبيراً فنياً في زراعة الشاي، أعتقد بأن جونا صالح لهذه الزراعة لأن مناطق الشاي يجب أن تكون رطبة، وأما التربة فسأبعث بنماذج وعينات منها إلى المختبرات لفحصها وتحديدها، وسأسعى جهدي المستطاع لمحاربة التأخر الاجتماعي السائد في منطقة الجنوب.
*والمهمة الدينية؟
- تقوم عندي على أساس واحد، وهو الاعتقاد أن كل انسان في نفسه الفطرة السليمة طبقاً للآية الكريمة: ﴿وأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله﴾ [الروم،30].
هذا الاعتقاد يحملني على أن أعتقد بأن جميع الناس مستعدون لقبول الدعوة الدينية الصحيحة، ولذا لن أقصر دعوتي على المؤمنين العاكفين في المساجد، بل سأتجاوزها إلى إلقاء الخطب والمحاضرات في النوادي والمدارس، وسأسعى لكسب ثقة الشباب وجعلهم يثقون بصلاح دينهم وقدرته على مسايرة حياتهم الجديدة بالغاً ما بلغ تطورها ورقيّها. وفي ذلك ما فيه من تهيئة مباشرة وغير مباشرة لصلاح الأسرة وتدعيم ذاتيتها الخلقية والدينية للدارين، عملاً بقوله تعالى: ﴿من عمل صالحاً من ذكر وأنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون﴾ ]النحل، 97[.
ثم استطرد يقول:
إن هذا المفهوم يرشدنا لإلى أن الدين ليس معارضاً للتقدم العلمي والاجتماعي، بل يزيد العضد قوة على دفع المجتمع إلى الإمام مادة وخلقاً.
*هناك من يزعم أن الدين يتعارض مع العلم الحديث؟
- لا أعتقد، ذلك لأن العلم هو السراج المضيء الذي يرشدنا إلى فعل الخالق سبحانه وعظمة إتقانه لصنعه.
*تكثر الطائفيات والطوائف في لبنان فما هو أسلوبكم تجاه هذا التيار؟
- دستورنا الإسلامي هو طبقاً للآية الكريمة: ﴿فاستبقوا الخيرات﴾ [البقرة، 148] [المائدة/48] يعلمنا بأن نلتزم التسابق في البناء ورفع المستوى الاجتماعي والخلقي مع سائر الطوائف غير مهتمين إلى التعصب والهدم وسائر الآثار السلبية التي عانينا منها متاعب جمة. ﴿إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون﴾ [الأنبياء،92] سأسير على هذا الطريق بإذن الله وسأدعو جميع الطوائف لتركيز طاقاتهم على البناء والإيجاب. ولن تتقدم إلا الطائفة التي في مذهبها أكثر قدر من الحلول لمشاكل العصر الحاضر على سواها، ومن المقدرة على مجاراتها والاجتهاد بها.
*يسود مجتمعنا موجة من الأحزاب والاتجاهات العقائدية فما هو موقفكم منها؟
- نحن نعتقد بأن على المسلم أن يهتم بمصالح المسلمين وبأهل الكتاب، وقد قسمنا الأمور الاجتماعية وصالح الأمة إلى الأمور المباشرة وغير المباشرة، وأعني بالأمور المباشرة الاصلاح الذي نتمكن من المطالبة به والعمل على تحقيقه، والأمور غير المباشرة هي السعي إلى تجديد النظام حتى يقوم بصالح الناس وهديهم، وأنا مثلاً لا يعنيني قيام وزارة أو سقوط وزارة، ونجاح هذا المرشح أو سقوط ذاك، بقدر ما يعنيني أن أساعد هذه الوزارة وذلك النائب على العمل المثمر البناء ورفع مستوى حياة المواطنين في هذا البلد. بهذا تختلف صلاحياتي عن صلاحيات الأحزاب، لأن نشاط الأحزاب غالباً ما يكون للأخذ بزمام السلطة وتدعيمها أو العكس، حتى تتمكن من بلوغ أهدافها، من هنا أرجو أن يعلم بأنني أعامل جميع الأحزاب والاتجاهات معاملة واحدة شعارها: ﴿ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة﴾ [النحل،125].
*ما هي تمنياتكم على الشباب بوصفكم طليعتهم عمراً وثقافة؟
- فابتسم وقال: مع الاعتراف بأن للشباب تمنيات خاصة، فهذا لا يعني أن ينجرفوا أو يفرطوا في تمنياتهم حتى تبقى أبدانهم وعقولهم بمأمن من النوازل، ولهذا أقابل شبابنا بشيء من التسامح وشيء من النصح، إنني وأنا أنظر إلى الشباب أفتح عيناً وأغمض عيناً، أما أمنيتي فهي أن يكونوا دائماً عند حسن ظن الوطن بهم، لأنهم دعامته، ولأنهم ريحانته وعصبه، ولأن روائح الجنة في بُرَدِهم، أمنيتي ودعائي أن تتحقق أمانيهم القومية والأدبية والخلقية، ليكونوا أقوى سنداً وأغلى قيمة في مجتمعهم الذي ارتضاه لهم ربهم.
*سبق لكم وأقمتم بضعة أشهر في صور قبل عودتكم إليها نهائياً فما هي المشاريع التي حققتموها آنذاك، والتي عطّرت سمعتها مجلس المتحدثين.
- لم أفعل شيئاً بعد مما يجب عليّ فعله، والذي أشرت إليه كان من الأمور العفوية، إن ما عملته وما أرجو أن يعمله أو يحققه كل مسؤول في بلده هو:
1- لقد منعت التسول في صور منعاً باتاً بعد أن كفلت للفقراء أقواتهم وألبستهم من الأغنياء والقادرين على البذل، بحيث أصبح كل محتاج يصله مرتبه إلى بيته.
2- كل فقير يمرض نبعث له بالطبيب والعلاج المجاني فوراً، والفضل في هذا عائد إلى أطباء البلد الذين ساعدوني على تحقيق الغاية.
3- لقد نظمت المجالس الدينية والاحتفالات العامة تنظيماً جعلت منه وسيلة لتحقيق الأهداف الخيرة وبث روح الإلفة والمودة بين الناس، كل الناس.
4- إن هذه الأعمال وغيرها ترجع في دفعها وابرازها إلى جهود جمعية البر والاحسان في صور التي ما فتئت تعمل وتهيىء.
وإلى هذا القدر من الحديث شكرت للعلامة المصلح السيد موسى الصدر، رحابة صدره وكريم خلقه.
