حركة المحرومين، الاقطاع، واسرائيل

calendar icon 22 كانون الثاني 1975 الكاتب:موسى الصدر

حاوره رؤوف الراسي
*دوافعي لتأسيس حركة المحرومين: الايمان بالله، والسعي لصيانة الوطن، والاهتمام بكرامة الانسان.
*فئات لبنانية تسلّحت بحجة أخطار داخلية متوقعة، ولبنان الوطن غير مسلح أمام العدو الاسرائيلي الطامع.
*شعبنا في جنوب لبنان له عدوّان: الاقطاع السياسي واسرائيل.
*مجلس الجنوب ابتليَ بالسياسة الرخيصة وهو يذلّ المواطنين.
*الخطر أن لا ندافع لأسباب وهمية.
*السلاح زينة الرجال في مواجهة تسلط الاقطاع والعصابات الصهيونية.

في هذا الحديث الصحفي شرح الامام الصدر دوافع تأسيس "حركة المحرومين" وأهدافها، وشدّد على أنها لا طائفية.

وكشف إقدام بعض الفئات اللبنانية على التسلح بحجة أخطار داخلية، قبل أن يستعمل هذا السلاح في الفتنة الداخلية الدامية التي بدأت بعد حوالي ثلاثة أشهر من الحديث الصحفي.
كما كشف انحراف "مجلس الجنوب" عن أهدافه وتسلّط الاقطاع السياسي عليه، قبل أن يستفحل الأمر في هذا المجلس وترتفع صرخة شعبية عارمة وجماعية تطالب بإنهاء خدمة القيمين على إدارة هذا المجلس والتحقيق في فساد هذه الإدارة وهدر الأموال المخصصة للمنكوبين في جنوب لبنان.

حديثه إليّ امتد ساعات، وكعادته كان واثقاً واضحاً ملتزماً... وروحانياً.
ومضت الساعات قصيرة، وفي عينيه قرأت رغبة في الاسهاب، لولا أن موعد الصلاة كان قد حان.
الأرض في مكتبه عارية. تطلعت فقال: لا يضيرني ذلك، فصحتي جيدة.

*وبدأنا من البداية: الحركة.. حركة المحرومين، أين صارت؟
- قال سماحة الإمام الصدر: إن المسؤولية الدينية الملقاة على عاتقي، بمقتضى قانون تنظيم الطائفة الشيعية في لبنان، والذي بموجبه أصبحت رئيساً لمجلسها، إن هذه المسؤولية لا تخرجني عن المواطنية وعن مسؤولياتها. وقد سبق وذكرت في الحديث عن أبعاد الحركة، أن الايمان بالله، والسعي لصيانة الوطن، والاهتمام بكرامة الإنسان، هذه العوامل الثلاثة تدفعني إلى هذه الحركة.

وكما ترى، فإنها من صميم التزامات المواطن العادي. والمسؤولية الاضافية التي يحملها المواطن، أياً كان نوعه أو نوعها، لا تعفيه من المسؤوليات الأصلية. بالإضافة إلى أن من صميم واجبات المجلس الشيعي الأعلى، السعي لرفع مستوى أبناء الطائفة وصيانة حقوقهم.
وإنني أعلم أن مستوى فئة من المواطنين لا يرتفع دون رفع مستوى الوطن، وأن حقوق قسم من أبناء المجتمع الواحد لا تصان إذا لم تحفظ حقوق جميع أبنائه.

الايمان بالوطن والانسان

وأضاف سماحته: أؤمن بذلك رغم التصنيف الممارس في لبنان. لذلك، فإن السعي لخدمة المحرومين لا ينفصل إطلاقاً عن خدمة طائفتي وأبنائها، بالاضافة إلى أن تراث هذا المذهب يعتمد على التضحيات السامية، أي بذل الذات والفرد والفئة في خدمة الغير والمجتمع والفئات.
إذاً، فإن الجهد في سبيل قضايا المحرومين مسؤوليتي المواطنية ومسؤولياتي الاجتماعية، بالإضافة إلى التزاماتي في المذهب والتراث.
واستطرد إلى موضوع محاضرته الأخيرة في كلية الحقوق حول الحركة ليقول:
خلال محاضرتي حاولت أن أرسم أبعاد الحركة طولاً وعرضاً وعمقاً. ولعلها كانت صورة واضحة، حيث كان الترسيم هندسياً رياضياً، أقرب إلى الحس منه إلى الحدس وتشغيل الخيال، وما أوسعه لدى المواطن اللبناني.

ففي هذه الصورة اعتبرت أن العمق هو من دوافع الحركة والنوايا لدى القائمين بها. وهي إيماننا بالله بالمعنى الصحيح من الإيمان، لا المعنى التجريدي، والايمان بالوطن وبالانسان وهما لا ينفصلان عن الإيمان بالله، لأن فصل الايمان بالله عن الاهتمام بشؤون المعذبين مرفوض لدى الأديان، وحتى عند الفلاسفة، حيث أن الايمان بالله تنكر لعبادة الذات والغير، كما أنه تمرد على الخضوع والاستسلام للموجودات الطبيعية.

محرومون ومرفهون

وبدا على سماحته أنه راغب في الزيادة، وأنه حريص على التوضيح، وتابع يقول:
وبكلمة، لا فصل بين البعد السماوي للإيمان وبعده الأرضي. وعندما نجد معذبين ومحرومين ومحتقرين وخائفين في وطننا، نشعر أن ايماننا بالله قد تعرض لخلل ما. كما أن هذه الحالة، أي وجود المعذبين، يعرّض الوطن للخطر، كما أكدت التجارب، ويعرّض أيضاً المواطن للمهانة.
من هنا، فإن العمق لحركتنا إيماننا بهذا المفهوم المستمد من حضارتنا الشرقية المستقاة من الينابيع السماوية في الأرض.

أما البعد الثاني، فقد بدأ شيعياً. فقد كان للشيعة حصة الأسد من الحرمان، وكانوا يشكلون القوة الشعبية الفاعلة للحركة، تلك القوة التي لا يتم شيء في هذا الوطن أو في العالم كله إلاَّ بها. وحيث أن التراث الشيعي يساعد على تحمل مسؤولية الدفاع عن الآخرين والتضحية في سبيل خدمة الآخرين.
هكذا بدأت الحركة، وسرعان ما التحقت بها فئات كبيرة محرومة من مختلف الطوائف، وجدت في الصرخة تعبيراً عن آلامها. وبعد ذلك، أعلنت شخصيات وفئات أن السيد موسى الصدر سوف لا يبقى إذا اعتصم في المسجد أو في غيره، سوف لا يبقى وحده مع طائفته، بل ستكون إلى جانبه الفئات العمالية والطلابية وجماهير المثقفين.
ولعلك تستغرب أو يستغرب البعض إذا قلت إن جمعاً غفيراً من المرفهين في لبنان يتبنون بإخلاص هذه الحركة، لأنهم يرون فيها اهتماماً بالمستقبل المجهول من جهة، ورفضاً للجمود الجارح للطموح اللبناني من جهة أخرى.

وبذلك تخطت الحركة خطر تعرضها للتصنيف الطائفي ومجابهتها بأخطار الانقسام الطائفي.
ومضى الإمام يقول: أما البعد الثالث، وهو امتداد الحركة أو مستقبلها، فإنه يمتد مع تحقيق المطالب، ورفع الحرمان، وتعميم العدالة على المناطق، بالوسائل التي تحقق تلك الأهداف والتي تحدد على ضوء استجابة المسؤولين أو رفضهم أو رغبتهم في التمييع والتطويق. كما وأنها - أي الوسائل - تحدَّد على ضوء الظروف الوطنية والمسؤوليات القومية المترتبة على موقف لبنان.
إن المحرومين، رغم آلامهم ورغم ظلم ذوي القربى، لا ينسون أنهم بحاجة إلى وطن عزيز كريم، ويعرفون أن المطامع الاسرائيلية والتربص الاستعماري لهم ولوطنهم بالمرصاد. لذلك فإنهم يقدِّرون أن التحرك من أجل تحقيق الأهداف ورفع الحيف، إذا لم يكن مدروساً ومضمون النتائج، فإنه قد يؤدي إلى فتح شهية العدو وبالتالي إلى تدخله. لذلك، فلا يمكن للحركة أن تفقد دافعها وتتجه إلى نقيض وجهتها، لأنها ليست حركة غبية تستغل من قبل قوى عالمية أو اسرائيلية وتؤدي إلى فاجعة في لبنان أو كارثة أو تدخل كما حصل في قبرص أو باكستان أو غيرها.
من هنا أقول: طالما أن القيّمين على الدولة لا يخططون ولا يدرسون للمستقبل، فإن الالتفاف حول الحركة هو بدافع تخطيط الحركة وفهمها للأشياء الوطنية.

الجنوب مهدد بالاحتلال

*أطلقتم تحذيراً تقولون فيه إن إسرائيل ستحتل الجنوب خلال ستة أشهر، على ماذا تستندون؟
- إن الموجبات التي تدعو الانسان إلى التخوف من الاعتداء والاحتلال الإسرائيليين في الوقت الحاضر هي ما يلي:
الاعتبارات التي تجعل اسرائيل تفضل الحرب، من الوضع الداخلي فيها نفسياً واقتصادياً، ومن مشاعر الصهيونية العالمية وأنصار اسرائيل القائمة على أساس قوتها العسكرية، وإمكانياتها في حماية المصالح الصهيونية في العالم، تلك المشاعر التي اهتزت في "حرب تشرين"، ومن رغبة اسرائيل بتأجيل مؤتمر جنيف الذي سيجعلها في موضع المعتدي، ويكشف وجهها الحقيقي ويمزّق الستار الحضاري المزيف الذي تواجه من خلاله العالم، كدولة متحضرة معتدى عليها.

وليوضح سماحته يضيف:
أقول ان إسرائيل ترغب في تأجيل مؤتمر جنيف إلى وقت آخر يقترب من انتخابات رئاسة الجمهورية الأميركية، وغير ذلك من الأسباب التي جعلت المراقبين والمسؤولين يتوقعون حرباً قريبة بين العرب وإسرائيل.

وينتقل إلى الإعتبار الثاني فيقول:
ومن جهة أخرى فإن قوة العرب سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، تمنع إسرائيل من بدء الحرب الخامسة، كما تمنع أنصار إسرائيل في العالم كله.
وبنتيجة هذين العاملين يستنتج أن الحرب المتوقعة قد تكون حرباً محدودة، وضدّ لبنان بصورة خاصة، حيث لا تجد إسرائيل أمامها تلك القوة الرادعة من جهة، فتتمكن من إنهاء العملية بسرعة لا تؤدي إلى أزمات أشرنا اليها من جهة ثانية.

بالإضافة إلى الفوائد التي تجنيها اسرائيل من هذه العملية وهي التالية:
• كسر شوكة الفدائيين الذين بلغوا قمة الانتصارات خلال سنة 1974، وذلك عن طريق ضرب قواعدهم وتصفية بعض عناصرهم، وخلق الشقاق في صفوفهم، وفيما بينهم وبين اللبنانيين.
• تطويق الجيش السوري عندما تصل قوات اسرائيل إلى منطقة دير العشائر، وبالتالي إفقاد مرتفعات في الجولان وجبل الشيخ وامتدادتهما، فعاليتها الإستراتيجية العسكرية.
• المساومات على المياه وعلى المنطقة المعزولة، أو ما يسمى بحزام الأمان حول اسرائيل، وامتيازات أخرى قد تكسبها اسرائيل من وراء المساومات بعد الاحتلال.
إن هذه المكاسب الثلاثة، بالإضافة إلى ما سبق مثل تأجيل مؤتمر جنيف ورفع المعنويات ومعالجة المشاكل الاقتصادية وغيرها، هي الأسباب التي تدعو اسرائيل إلى شنّ حرب ضد لبنان، دون أن تكلف نفسها خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات.

ويقول صاحب السماحة:
تبقى نقطة وحيدة، هي المحاسبة لما يحول دون هذه المطامع الإسرائيلية. ولا أخفيك بأنني كمواطن، لا أجد أمامي أي جواب عن هذا السؤال. أما عن تحديد مدة الستة أشهر، فإنه يعتمد على حراجة موقف إسرائيل لعدم مشاركتها في مؤتمر جنيف، الذي لا تجد جواباً مقنعاً للعالم يبرر عدم مشاركتها فيه، بعد أن أقرّ هذا العالم من خلال الأمم المتحدة بوجود الشعب الفلسطيني وشرعية تمثيل منظمة التحرير له.

طاقات لبنان الدفاعية

*وماذا تقترحون في الوقت الحاضر للدفاع عن الجنوب، وهل تقرون الاستعانة بقوات عربية لتأمين هذا الدفاع؟
أولاً - يجب الشروع فوراً بحملة دبلوماسية إعلامية مركزة وتشمل العالم كله لعرض الأوضاع والأخطار من خلال الاعتداءات المتواصلة، ومن خلال التهديدات الإسرائيلية المتكررة.
ثانياً - تجنيد طاقات الشعب اللبناني في الداخل وفي بلاد الإغتراب، والإستعانة بعلاقاتهم الشخصية وبنفوذهم الواسع في العالم، تلك الطاقات التي ما استثمرت حتى الآن لخدمة الوطن، ولا أدري لماذا جمدت ولأي يوم آخر ادخرت أو وفرت.
ثالثاً - العمل العسكري الذي لا بديل عنه على صعيد شعبي، وذلك بتدريب الشبيبة في الجنوب أولاً وفي المناطق الأخرى للراغبين والمتطوعين، وفي الدرجات اللاحقة للآخرين، تدريبهم وتسليحهم، وتحضيرهم لحرب الشوارع والدفاع عن قراهم ومدنهم.
بالإضافة إلى ذلك، تكليف الجيش بالانتقال إلى الجنوب، ضمن خطة عسكرية سليمة، وفي مواقع معينة والدفاع المستميت عن الوطن.

كما أن الاستعانة بالأسلحة التي تقدم إلى الجيش اللبناني من أي مصدر كان، ضرورة حتمية ومشروعة في ساعات الدفاع. أما الاستعانة بالجيوش العربية، فإنني رغم قناعتي الكاملة بأن حق الدفاع عن النفس وعن الوطن يفرضها، فإنني أترك التقدير للقيادة العسكرية والسياسية للبلد، لاختيار وقتها وتفاصيلها ومراعاة ملابساتها وردود فعلها.
واعتقد أن في العالم إمكانات أخرى أيضاً، موضوعة بتصرف لبنان في ساعات المحنة. مثلاً، كان الرئيس الراحل الجنرال ديغول قد أكد أن فرنسا لن تقف مكتوفة الأيدي اذا اعتدت اسرائيل على لبنان بنية الاحتلال. والرئيس الراحل بومبيدو أيضاً، أقرّ المبدأ وأكد الالتزام. فمن الضروري إعادة الكرة والطلب من الرئيس جيسكار ديستان، والبحث في تفاصيل هذا الالتزام، الذي أصبح أكثر إلحاحاً من ذي قبل.

كما أن هناك التزامات أخرى من دول عربية وإسلامية، ودول العالم الثالث والدول الاشتراكية وحتى بعض الدول الكبرى.
أقول ان التزامات أخرى قد تكون متوفرة في ساعات الخطر على لبنان، يجب إيضاحها وتجديد الالتزامات بها، إذا كانت مستمرة، ووضعها ضمن خطة واضحة معلنة أو سرية. ولا ننسى في هذا الموضوع مدى تأثير موقف القوى الدينية، وفي طليعتها موقف الفاتيكان. لذلك، لا بدّ من تحريك هذه المواقف وإبرازها والاستعانة بها في هذا الوقت.

وينهي سماحته الجواب عن هذا السؤال بقوله:
لسنا أول وطن صغير يتعرض للاعتداء من قبل قوة غاشمة أقوى منا. ولكن الخطر كل الخطر، أن نكون أول وطن لا يريد أبناؤه، من مسؤولين أو غيرهم، أن يدافعوا عنه، لاعتبارات وهمية لا تؤخذ بعين الاعتبار إطلاقاً.

إن فئات لبنانية قد تسلحت في السنوات الأخيرة بحجة الأخطار الداخلية المتوقعة، فكيف يمكن بقاء لبنان الوطن غير مسلح أمام عدو طامع؟

دور مجلس الجنوب

*كيف السبيل لمواجهة خطة تفريغ الجنوب من أهله، وهل مجلس الجنوب يقوم ببعض الواجب لمواجهة هذه الخطة؟
- نهض الامام عن كرسيه وقال:
إن هذا التخوف في محله، فالإعتداءات تمتد إلى أماكن مدنية ومزارع ومؤسسات عامة، من مدارس وكنائس ومساجد وغيرها. وكثيراً ما تتعرض نقاط للقصف بشكل عفوي، مثل الصخور والوديان.. وهذا الأسلوب في القصف يؤكد أن إسرائيل تقوم بالمناورات بالذخيرة الحية على أرضنا، لكي تفرّغ المنطقة من السكان.
أما مجلس الجنوب، فقد تمكّن في الفترة الأخيرة من توظيف محاسيب وأزلام تمنع القوانين من توظيفهم في دوائر أخرى كما تمكّن هذا المجلس من إذلال المواطنين بحيث فرض عليهم مراجعة الزعماء لأخذ توصية، لكي يستلموا تعويضات عند مصائبهم. وكثيراً ما يذهب أشخاص يحملون مبالغ من مجلس الجنوب يزورون المنكوبين أو المصابين ويبلغونهم أن هذا من عطاء "الزعيم".
ويظل سماحة الامام يتمشى ويتابع:
أنا لا أقول أنه لا يوجد في مجلس الجنوب موظف صالح. ولكني أقول أن هذه المؤسسة، التي وجدت بعد إضراب عام اشترك فيه الشعب اللبناني كله، واعتبرها مؤاساة منه ومشاركة للقطعة الجريحة من الوطن، لم يكن من الجائز أن تبتلى بمصيبة الدوائر الأخرى.
كان المطلوب من مجلس الجنوب أن يقيم قرى محصنة تصون حياة المواطن في ساعات القصف، وأن يؤسس مشاريع تعوض في تنفيذها وفي نتائجها على الحياة الزراعية الجنوبية، التي تعطلت بسبب الاعتداءات.

وكان هذا علاجاً لمشكلة التهجير، ولكن قاتل الله السياسة الرخيصة التي لا ترحم!
أما الآن، فقد اقترحت تحويل مجلس الجنوب إلى مؤسستين، أولاهما صندوق التأمين لحياة المواطنين ولأرزاقهم وللنشاطات الانمائية التي تنفذ في الجنوب، لكي نخرج التعويضات عن طابع الصداقات والسياسات والإرضاءات، ولكي نؤمن ونشجع توظيف الأموال في الجنوب، وتحويل المنطقة إلى ورشة عمل. ولعلك تعرف أن مثل هذه المؤسسة موجودة في بريطانيا وفي إسرائيل وغيرهما.

والمؤسسة الثانية هي مجلس مشاريع دون جهاز تنفيذي. يلاحق هذا المجلس المشاريع المقررة في الوزارات ويدرس الحاجات والمشاريع الضرورية ويعرضها بصورة استثنائية على مجلس الوزراء، ويقدمها للتنفيذ بواسطة الوزارات المعنية، متخطياً الطرق التقليدية لتنفيذ المشاريع.
ولكي نكمل الجواب لا بد من القول ان تكثيف المشاريع الانمائية المطروحة، مثل الليطاني ومشروع البحيرات الاصطناعية وغيرها بشكل سريع يحول دون هجرة أغلبية السكان.

اسلحة الاقطاع

*السلاح زينة الرجال، قلتم في إحدى خطبكم.. ماذا تقصدون؟ ألا تلاحظون أن السلاح في أيدي بعض المواطنين آفة كبيرة، ولديكم الدليل في انتخابات النبطية الأخيرة، وفي حوادث أخرى مؤسفة؟
- استغرب الامام السؤال، لكنه أجاب:
أن هذا الشعار كلام صادر عن الرسول محمد، عليه الصلاة والسلام وفي تفسير الآية الكريمة: ﴿خذوا زينتكم عند كل مسج﴾" [الأعراف،13] حيث قال: السلاح زينة الرجال.
ثانياً: إن السلاح في مفهومه، هو الذي يستعمل ضد العدو. وقد كان لشعبنا في الجنوب عدوان يستغلان كون المواطن أعزل، ويفرضان إرادتهما عليه: أولهما الاقطاع السياسي، الذي لم يكن نفوذه مستنداً إلى الخدمات يوماً ما. فساحة الجنوب لم تشهد حجارة لمدرسة أو خدمة لمعذب، أو تكريماً لصاحب كفاءة، قام بها الإقطاع السياسي. بل إن نفوذ الإقطاع يعتمد على عصابات مسلحة كانت تتحكم في المواطنين، فتخطف وتقتل وترهب وبالتالي تبني قوة الإقطاع ونجاحه.
وعندما يعمّ السلاح لا يبقى مجال للطغيان والتسلط، طالما أن العلاج الحقيقي، وهو حماية السلطة الرسمية، مفقود.
والعدو الثاني هو اسرائيل، وكان على المواطنين أن يقوموا بدورهم عند دخول العصابات الإسرائيلية أرض الوطن. فإن مسؤولية الدولة في الدفاع، لا ترفع عن كاهل المواطنين مسؤوليتهم الوطنية. ولكن منع السلطات والإقطاع المتحالف معها المواطن من حمل السلاح والتدرب عليه، جعله ضعيفاً أمام العدو الإسرائيلي عندما يمارس اعتداءاته.

ويستنتج سماحته فيقول:
إذاً، فالسلاح ضد العدو زينة الرجال، لا السلاح عندما يستعمل في الاحتفالات، لأنه يتحوّل آنذاك إلى عادات وطقوس لتكريم أو حزن، فيفقد معناه.
وعندما يشعر المواطن بمسؤوليته الوطنية والانسانية في حمل السلاح، لا يخشى أن يستعمله ضد أخيه المواطن.

أما بالنسبة لما شاهدناه في انتخابات النبطية وفي غيرها، فإنما هو تأكيد لما سبق وقلته، من أن العصابات التي تدعم الإقطاع تستمر في خلق الذعر في نفوس الناس وإذلالهم. فهل ترى من علاج آخر بعد أن تخلت السلطة عن مسؤولياتها؟

وانتهى الحديث عندما وقف الامام متطلعاً إلى ساعته، لأن موعداً كاد أن يفوته: إنه موعد الصلاة.

source