بدعوة من مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات بالتعاون مع مركز الدراسات السياسية والدولية التابع لوزارة الخارجية الإيرانية, إنعقد مؤتمر كلمة سواء الخامس تحت عنوان المقاومة والمجتمع المقاوم يومي 23 و24 تشرين الثاني في فندق الماريوت ببيروت, ويوم 25 تشرين الثاني في مبنى المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى حيث استمع المؤتمرون إلى كلمات كل من سماحة آية الله الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين, رئيس المجلس, وكلمة نائبه سماحة الشيخ عبد الأمير قبلان, ولسماحة السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله, ورئيس حركة أمل دولة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري. واعتبر المؤتمر ان كل واحدة من هذه الكلمات هي وثيقة من وثائق المؤتمر. هذه الكلمات التي ركزت على قضية اختطاف الإمام الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والأستاذ عباس بدر الدين في ليبيا, ومسؤولياتها عنها, وسبل حلها بالسرعة القصوى.
كان المؤتمر قد استمع في جلسته الإفتتاحية إلى السيدة رباب الصدر شرف الدين وإلى كلمات رؤساء المجالس والعائلات الروحية اللبنانية وكلمة الدكتور كمال خرازي وزير خارجية جمهورية إيران الإسلامية, وذلك بحضور ممثلي فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية ودولة رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء. ثم تدوال على مدى يومين في المحاور التالية:
- حول استراتيجية المقاومة في تجربة الإمام الصدر, وترأس الجلسة معالي الوزير بيار حلو وتحدث فيها كل من معالي الأستاذ ميشال إدة, سعادة النائب محمد فنيش, الدكتور علي الشامي, فضيلة الشيخ أديب حيدر, الحاج عاطف عون وفضيلة الشيخ أحمد الزين.
- حول ثقافة المجتمع المقاوم في رؤية الإمام الصدر, ترأس الجلسة دولة الرئيس حسين الحسيني وحاضر فيها كل من معالي الأستاذ غسان تويني, الدكتور حسن شلبي, الدكتور عدنان الأمين, الأستاذ نقولا شماس, الدكتور أسعد النادري, والدكتور ساسين عساف.
- جلسة آفاق المستقبل ترأسها معالي الوزير مروان حمادة وحاضر زادة, الأستاذ ماجد كيالي, والدكتور أبو العلا ماضي.
- وقد تضمنت الجلسات العديد من مداخلات المشاركين, وإستكملت بوقائع اليوم الثالث.
أكد المؤتمر على ضرورة التصدي للخطر الصهيوني ولخطر الحرمان بكافة أشكاله, وعلى أن الإستجابة الناجعة لهذين الخطرين هي في المقاومة والمجتمع المقاوم كما أسس لهما الإمام الصدر وأرسى مقوماتهما.
يهيب المؤتمر بالأمة أن نستعيد رؤية الإمام الصدر الوطنية التي تعتبر لبنان وطنًا نهائيًا لجميع أبنائه, حيث تنوعه المذهبي هو ثروة إنسانية وضرورة حضارية لخلق الحوار بين أعضاء الجسد الإنساني الكبير, وضرورة دينية ترفع عن الأديان تهمة التعصب. وهذا الوطن الحري بالدفاع عنه, يحمل في ثناياه حوافز الدفاع عن حقوق المواطنين في الحياة الكريمة والحوار والحرية والمشاركة وتكافؤ الفرص.
إن الأخلاق السياسية وثقافة المسؤولية العامة تتيحان التحام الكرامة الوطنية بالكرامة الشخصية في تلازم عضوي ينتج هوية جامعة ومنسجمة مع الهوية العربية الإسلامية والإنسانية.
يحتاج كسب القضية المحقة المتمثلة في مواجهة الخطر الصهيوني وما ينتج عنه, إلى سلوك أفضل الطرق, وإلى الإستعداد لعشرات السنوات, متسلحين بالإيمان بالله, متبعين التخطيط السليم وآخذين بالإعتبار الإقتصاد المعرفي المستجد والتحولات العالمية التي تحد من دور الحكومات وتزيد من مسؤوليات المجتمع المدني في الحفاظ على الشخصية الوطنية بمواجهة قواعد العولمة القاسية.
وإذ ينحني المؤتمرون إجلالًا لشهداء المقاومة الذين رووا بدمائهم الطاهرة أرض الوطن وقد تحرر معظمها, يتعاهدون على صيانة وتطوير هذا النصر. وينوهون بموقف الدولة الواضح والثابت وبدعم الأشقاء في الجمهورية العربية السورية وجمهورية إيران الإسلامية وغيرهم من الشرفاء. كما يبارك المؤتمر إنتفاضة الأقصى مهيبًا بكل القوى الحية دعم الشعب الفلسطيني في نضاله المشروع لاستعادة كامل أرضه وسيادته ولعودة لاجئيه, ولاجتثاث الخطر الصهيوني الذي يستهدف كامل الأمة في مقدساتها ومصالحها وهويتها وحضارتها.
يشدد المؤتمر على ضرورة تحصين المناطق المحرومة عمومًا, والجنوب تحديدًا وتجنيد كافة الطاقات لتنميته وإعادة إعماره بشريا وإجتماعيًا وإقتصاديًا, حتى يشكل السد المنيع أمام أطماع الصهيونية التي قد تستكين ولكنها لا تزول طالما بقي الكيان الغاصب في فلسطين.
ويشدد المؤتمر على ضرورة تنشئة المجتمع المقاوم في المناهج التربوية والإعلامية وغيرها, وذلك حسبما رآها وأرساها الإمام الصدر.
يرى المؤتمر في خطوات التراجع عن التطبيع بداية مسار طيب يجب المضي فيه حتى النهاية, عملًا بما قاله الإمام الصدر منذ عقود بأن إسرائيل شر مطلق وأن أي تعامل معها حرام.
وإذا كانت المقاومة شيعية البنية, فإن استمرارها واستثمار إنجازها, وتكوين وتطوير المجتمع المقاوم, هي قضية وطنية وعربية وإسلامية.
يرى المؤتمرون أن الإمام الصدر هو أب المقاومة وملهمها ومرشدها, وقضيته بالتالي ليست قضية شيعية وحسب بل لبنانية وعربية وإسلامية وإنسانية, وعلى أن المقاوم الأول لا يجوز أن يبقى أسيرًا بعد أن تحرر معظم الأرض.
ويقترح المؤتمر على الدولة اعتبار الإمام الصدر رجلًا من رجالات الإستقلال, حيث أن الخط الذي رسمه الإمام, قاد إلى الإستقلال الحقيقي تجاه أعتى وأخطر قوة غاصبة في العصر الحديث.
سيادة الأوطان لا تتجزأ على ترابها, كذلك كرامتها وكرامة مواطنيها وحرياتهم. وتغييب الإمام الصدر في ليبيا, ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والأستاذ عباس بدر الدين, هو استهداف للمشروع الإنساني الحضاري المقاوم الذي أطلقه الإمام, والذي انفجر مقاومة أخرجت مصير الوطن من المشروع الإسرائيلي, وبدلت معادلات الصراع برمته.
وإن التمويه والتضليل حول جريمة اختطافه ورفيقيه, لهو استباحة لآلام وأحلام وآمال كل المقاومين وكل الساعين نحو الوطن المقاوم المنيع الحاضن لطموحات بنيه. وطمس الجريمة هو إمعان متماد في استهداف الوطن المقاوم في مقومات صموده, وفي سلمه الأهلي. يعتبر المؤتمر أن صمت العالم حيال قضية الإخفاء, هو وصمة مريبة.
وحيث أن مسؤولية النظام الليبي في القضية مؤكدة بموجب ما خلص إليه القضاء الإيطالي من أن الإمام ورفيقيه لم يستقلوا الطائرة من ليبيا ولم يغادورها,
وكما يستدل من حيثيات القرار الظني الصادر عن المحقق العدلي اللبناني طربية رحمة بتاريخ 18/11/86 ,
وحيث أن المادة 19 من قانون العقوبات اللبناني توجب تطبيق الشريعة اللبنانية على كل لبناني أو أجنبي فاعلًا كان أو محرضًا أو متدخلًا أقدم خارج الأراضي اللبنانية على ارتكاب جناية مخلة بأمن الدولة.
وحيث أن غرض الفاعلين, من ضمن أشياء أخرى, كان تعريض لبنان للفتنة وإثارة النعرات المذهبية والنزاع بين الطوائف حسبما أسندت النيابة العامة التمييزية إلى الفاعلين بموجب كتابها بتاريخ 21/8/81 وما تبعه,
ولما كان مؤتمر كلمة سواء قد استخلص في مؤتمراته الأربعة السابقة وأكد على ضرورة متابعة هذه القضية والضغط لإجلائها,
وبالتنويه بتصريحات ومواقف العديد من المسؤولين الرسميين والرموز الشعبية زالمقاومة التي أكدت, وعلى الملأ, أن الطريق الوحيد لحل المعضلة مع النظام الليبي هو إطلاق الإمام ورفيقيه, خدمة للبنان ومقاومته وللقضية الفلسطينية وانتفاضة الشعب الفلسطيني الذين تميزت مواقف وأعمال الإمام الصدر حيالهم أكثر ما تميزت بالإنحياز المطلق لإنجاز أهدافها, لأنها قضايا الحق المطلق مقابل الشر المطلق.
وبناء على المداخلات والمحاضرات والإقتراحات, المكتوبة والشفهية, التي كادت تكون القاسم المشترك لوقائع المؤتمر الخامس ولكلام المتحدثين فيه من رسميين ومفكرين وباحثين وروحيين,
واستجابة, وقبل كل شيء, إلى توقعات وتوجهات الرأي العام الذي يرى في الإمام الصدر رمز المقاومة والمجتمع المقاوم,
فإن المؤتمر يبارك ويؤكد على جميع الشرفاء أهمية تقديم الدعم الكامل والمطلق للإقتراحات والخطوات العامة والتفصيلية التي تقدم بها كل من سماحة الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين وسماحة الشيخ عبد الأمير قبلان وسماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله, ورئيس حركة أمل الرئيس الأستاذ نبيه بري. وذلك في الموقف المحدد من قضية الإختطاف وحول السبل الكفيلة باستعادة الإمام الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والأستاذ عباس بدر الدين من ليبيا, المتهم الوحيد والمسؤول عن إخفاء الإمام ورفيقيه كما أكدت كافة التحقيقات القضائية والأمنية الإيطالية واللبنانية.
كما قدر المؤتمر تقديرًا عاليًا الرؤية الموحدة والموقف الواحد من اعتبار هذه القضية قضية وطنية لبنانية وقضية عربية إسلامية, وقضية إنسانية تعني كل المهتمين بقضايا حقوق الإنسان في العالم. وبالتالي فهي ليست موقفًا شخصيًا أو حزبيًا أو مذهبيًا.
يعلن المؤتمر عن تشكيل نواة هيئة متابعة وطنية سيتم لاحقًا الإعلان عن أسماء أعضائها وآلية عملها ودورية تواصلها مع الرأي العام. وقد تحددت مهمتها ببند وحيد:
- العمل على إطلاق الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والأستاذ عباس بدر الدين.
ان إطار عمل الهيئة, كما يراه المؤتمرون, محدد بالتالي:
1- إدانة النظام الليبي على فعلته وعلى تماديه في ضرب النهج المقاوم في أصله وصميمه, ومطالبته بالإفراج الفوري عن الإمام ورفيقيه.
2- تحميل الحكومة اللبنانية الجديدة المدعومة من المجلس النيابي الجديد مسؤولية تحقيق هذا الإفراج, وذلك باستخدام كافة الوسائل بما فيها اللجوء إلى محكمة العدل الدولية وجامعة الدول العربية ومؤتمرات القمة العربية والإسلامية ومجلس الأمن الدولي وغيره من منظمات الأمم المتحدة, بما في ذلك تأليف لجنة حقوقين غايتها الوحيدة كشف حقيقة المؤامرة التي غيبت الإمام في ليبيا, والعمل على عودته ورفيقيه.
3- تعمل الهيئة على دعم مجهودات الحكومة اللبنانية, وعلى تنسيق أو متابعة كافة الأنشطة الأخرى ذات العلاقة بالقضية.
4- مطالبة الحكومة اللبنانية باعتماد الشفافية في مستجدات القضية, وإحاطة الرأي العام علمًا بما تؤول إليه مجهوداتها, وبما آلت إليه مذكرة التحري الدائم لمعرفة الفاعلين والمحرضين والمتدخلين في الجرائم موضوع القرار الظني الصادرعن القاضي طربيه بتاريخ 18/11/ 1986
5- الرفض التام لكل محاولات الإبتزاز والمساومات التي يحاول النظام الليبي استخدامها, حيث ان وطنًا دفع آلاف الشهداء ثمنًا لسيادته, لن يقايض رمزه الوطني في سوق التفاح, ولن يغص بعدة آلاف من مغتربيه والذين طالما كان الإمام الصدر باعثًا لطموحاتهم وزارعًا لبساتين آمالهم.
6- تنظيم أساليب الضغط الضرورية والمناسبة والمتنامية وعلى شتى الصعد وفي كافة المحافل لحين إجلاء الغموض وتحديد المسؤوليات ومعاقبة الجناة.
ختامًا يعّبر المؤتمر عن قلقه المزدوج: التوجس مما يتداوله الإعلام حاليًا حول إعادة تأليف لجان من شأنها تظهير وتبرئة النظام الليبي, عبر البدء بالقضية من جديد وكأن لا قيمة لكل التحقيقات والنتائج التي خلص إليها القضاء اللبناني والقضاء الإيطالي. والقلق لأننا لم نتعلم من درس اختطاف الإمام ورفيقيه في ليبيا, فوضعنا في عهدة من لا عهد ولا ذمة له مصير الآلاف من أبنائنا في ليبيا".