إفتتح مؤتمر "كلمة سواء" السادس بعنوان "حوار الحضارات" الذي ينظمه مركز الامام موسى الصدر للأبحاث والدراسات أعماله عند التاسعة والنصف من صباح اليوم في فندق "الماريوت". بحضور وزير الثقافة الدكتور غسان سلامة ممثلاً رئيس الجمهورية العماد إميل لحود، النائب علي عسيران ممثلاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، وزير الدولة بشارة مرهج ممثلاً رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري، نائب رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية محمد علي ابطحي وزير الدولة بيار حلو، وزير البيئة ميشال موسى الوزير مروان حمادة، الرئيس حسين الحسيني، والرئيس الدكتور سليم الحص.
وحضر حفل الإفتتاح السيد محمد علي ابطحي نائب رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران.
كما حضر النواب: علي الخليل، محمد رعد ممثلاً الأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصر الله، ياسين جابر، جان اوغاسبيان، عبد اللطيف الزين، محمد فنيش، عدنان عرقجي، روبير غانم، عمار الموسوي، محمد برجاوي، عبد الله قصير، عباس هاشم.
وحضر نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى المفتي الجعفري الممتاز عبد الامير قبلان، قائمقام شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ بهجت غيث، الشيخ القاضي محمد صلاح دالي بلطة ممثلاً مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني، مطران بيروت للطائفة المارونية بولس مطر ممثلاً البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، المطران الياس نجم ممثلاً بطريرك الروم الارثوذكس اغناطيوس الرابع هزيم والمطران خليل ابي نادر، والسفير البابوي المونسنيور لويدجي غاتي ممثلاً الحبر الاعظم قداسة البابا يوحنا بولس الثاني وممثلون عن رؤساء الطوائف المسيحية.
كما حضر أيضاً العميد الركن امين حطيط ممثلاً قائد الجيش اللبناني العماد ميشال سليمان، العقيد الركن مصطفى دكروب ممثلاً مدير عام امن الدولة اللواء الركن ادوار منصور، امين عام المجلس الأعلى اللبناني السوري نصري خوري، السفير الإيراني محمد علي سبحاني، رئيس حزب الكتائب المنتخب كريم بقرادوني، نقيب الصحافة اللبنانية محمد البعلبكي ممثل السيد محمد حسين فضل الله نجله السيد علي، الوزراء والنواب السابقين فايز شكر، عصام نعمان، فاروق البربير، جميل شماس، حسين يتيم، رفيق شاهين، محمود عمار، نهاد سعيد، ومدير عام مركز الشرق الاوسط والعلاقات العامة للدراسات العميد الركن الدكتور هشام جابر وفاعليات حزبية ودينية وثقافية وفكرية وحشد من المهتمين.
بداية دقيقة صمت عن روح رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الامام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين ثم آيات من القرآن الكريم تلاها الشيخ سلمان الخليل، ثم النشيد الوطني ونشيد مؤسسات الامام الصدر، وقدم الشاعر حسين حمادة الخطباء الى الحضور فتحدثت رئيسة مؤسسات الامام الصدر السيدة رباب الصدر شرف الدين ورحبت بالحاضرين واستهلت كلمتها بمختارات من اقوال الامام موسى الصدر حول التفاعل المتكافىء بين الحضارات والثقافات وامكانية لبنان لأن يكون نموذجاً واقعياً للحوار.
وذلك بحكم رقعته الجغرافية الصغيرة وبسبب التداخل في ما بين الانسجة والامزجة من اصحاب الرأي المختلف مما يوفر التربة الامثل لانتاج وتفجير الطاقات الذي يجب ان يجري بين الممثلين الحقيقيين لاصحاب العلاقة. واستذكرت انجازين مهمين للامام الصدر حسبما حددهما المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين. اولهما انه نزل الى الشارع في سبيل تنفيذ ما آمن به، وثانيهما انه جعل الناس يتكلمون خصوصاً الناس المحرومين بالمعنى الاقتصادي او السياسي او الانسان العام. وقد عمل على غرس الوعي في من هم خارج وعي حقوقهم، وفي عملية بحث عن الذات حيث تلتقي جميع الديانات والثقافات.
وتابعت بان حرص الامام الصدر على اشاعة الايمان بالله انما ينبع من كون الايمان القيمة المشتركة عند ابناء الوطن الواحد، وعلى هذه القيمة نبني امكانية التغيير، حيث تنبع كل امور الحياة من داخل الفرد، ومن رؤيته للاشياء كما هي – وليست كما في نفسه – تتقارب النظرات ويصبح بالامكان الاستماع الى الآخر والحصول على صورة الواقع الاجتماعي العام. ولا يتم ذلك ان لم نستطع قول (نعم) بحرية، ونحسن قول (لا) بقوة.
وختمت الصدر بالاصرار على مواجهة ما جرى للامام ورفيقيه وما يجري في اي مكان من العالم فيه استلاب وتسلط، لندرك ابعاد شهادة ان لا اله إلا الله، وندخل عالم الحوار وتطوير الحضارات، بعيداً عن مجادلات لتوقيع تسويات.
رسالة الرئيس الإيراني
ثم تلا السفير الايراني في لبنان محمد علي سبحاني رسالة موجهة من الرئيس الإيراني السيد محمد خاتمي مبدع فكرة "عام الامم المتحدة لحوار الحضارات"، إلى المؤتمرين، ومما جاء فيها: "ان اقرار الأمم المتحدة لعام 2001 سنة حوار للحضارات بناء على اقتراح الجمهورية الإسلامية في إيران، لا يأتي من باب الحصر او التخصيص فحوار الثقافات يمتد على امتداد التاريخ ليغطي الزمن كله. واذا كان الحوار مستمراً وممتداً عبر التاريخ فان رقعته الجغرافية محصورة نسبياً. ورقعة لبنان الجغرافية تزخر بأحد اروع صفحات التاريخ الخاص بالحوار في احدث صورة وان هذه الصورة قد تركت اثارها الواضحة والملموسة في نفوس اللبنانيين لدرجة اننا نبالغ اذا قلنا انه لا يمكن ادارة وتنظيم العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في لبنان دون ملاحظة الصورة تلك. وما يميز هذا الحوار هو الحوار بين الاديان والمذاهب حيث ان التأمل نظرياً في مجال العقائد الدينية لمختلف الاديان يشكل احد السبل المتاحة لفتح المجال امام الحوار، لا بل ان موضوع الحوار بين الله والانسان في رأي المسيحية والاسلام يشكل احد اهم قضايا علم الكلام التي يمكن التطرق اليها كقضية في علم الكلام بين الاسلام والمسيحية. وبينما نجد المسيحية قد تعمقت واستغرقت في تأملها حول قضية الحوار كموضوع يتصل بعلم الكلام، نرى ان الاسلام في كتابه السماوي يمنح اهمية كبيرة للاصغاء والاستماع، والمسلمون مكلفون وملزمون بالاصغاء لكلام غيرهم من الناس والتأمل فيه.
واذا كان الحوار اختار مكاناً له في التاريخ وفي الجغرافيا فانه يختار مكاناً له داخل عقول كبار القوم وفي أفئدتهم وعلى ألسنتهم.. ولا شك ان حياة الامام موسى الصدر تشكل اسوة حسنة لكل المؤمنين بالحوار بين الاديان والثقافات ويعملون من اجله ويلتزمون بمقوماته السياسية والاجتماعية.. لا بد من اعتبار الامام موسى الصدر رمزاً للحكمة والارتفاع فوق الحساسيات والحزرات ورمزاً للتلاحم والتضامن وكذلك رمزاً لتعزيز الثقة بالنفس وبلبنان الحبيب.
.. وقداسة البابا
ثم نقل السفير البابوي في لبنان المونسينور لويدجي غاتي تمنيات الحبر الأعظم قداسة البابا يوحنا بولس الثاني إلى الحاضرين، ومما جاء في كلمته: اختيار حوار الحضارات كموضوع للمؤتمر يعني ان همكم الكبير هو ايجاد افضل الوسائل لتقريب الشعوب وللنهوض بكرامة الانسان، دون تمييز بسبب الدين أو العرق أو الثقافة. أيضاً لتذكيرنا، مسيحيين ومسلمين بالروابط الروحية التي توحدنا بحسب كلام البابا جون بول الثاني. وتابع بأن حوار الحضارات وحوار الثقافات وحوار الاديان ما هو إلا التقاء الناس وتواصلهم بهدف تأسيس حضارة حب وسلام. والتربية بهذا المعنى تستدعي أولاً أن نوسع رؤيتنا نحو أفق يتسع باستمرار، يجعلنا قادرين على النظر إلى أبعد من بلدنا وعرقنا وتقاليدنا الثقافية، لنرى الإنسانية كعائلة، في تنوعها وتطلعاتها المشتركة.
كلمة قباني
ثم ألقى القاضي الشيخ محمد دالي بلطة كلمة مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني وأبرز ما جاء فيها: ان الحوار هو ضرورة من ضرورات الوجود البشري الذي خلقه الله متنوعاً في فكره وادراكه واختلاف نظرته للامور. والاختلاف قد يكون رحمة وهذا لا يعني ان الاتفاق نقمة بل هو حجة. والمتضادان قد يجتمعان في الحكمة ويتفقان في المصلحة. ومن ليس عنده حضارة لا يمكن ان يكون أهلاً للحوار.
وتطرق إلى المنجزات المادية والعلمية عن أولئك الذين أبادوا "الهنود الحمر، سكان البلاد الأصليين" وشرعوا اغتصاب الحقوق واعتبروا المقاومة ارهاباً في معادلة فوضوية لا يقرها منطق ولا عدل. كما وانتقد الامم المتحدة لانتقاء بعض القرارات باستنسابية ولاهمالها قرارات مصيرية تتعلق بالشعب الفلسطيني. وسياسة الكيل بمكياليين أخطر بكثير مما حدث في 11 أيلول فهي سياسة تجنح إلى استفزاز من يجنحون إلى الوداعة والطمأنينة.
الشيخ غيث
ورأى الشيخ بهجت غيث في كلمته ان حضارة العولمة تترنح بسبب هشاشة بنائها المؤسس على الرمال المتحركة للمصالح والغرائز والمطامع والأغراض المادية وليس على صخرة المبادئ والأخلاق والقيم الروحية الثابتة وما اندفاع العربة الكونية نحو الهاوية إلا بسبب انفراد الحصان الأسود ممثول الطبائع الضدية الغريزية بقيادتها. وأكد على حقيقة ان الروح الإنسانية والنفس الآدمية واحدة منذ بدء التكوين، والذي يتغير عبر الدهور والعصور ما هو إلا الجلود والأقمشة. من هنا تأتي قدسية المعرفة للحق والحقيقة في سر نعمة الاديان السماوية والوصايا الإلهية والدروس المتعاقبة لهداية العائلة البشرية وجمعها على مائدة الكلمة السواء.. وأمل الشيخ غيث بأنم تنطلق مسيرة العولمة الروحانية في الكون من لبنان، البلد الذي أسقط مقولة التفوق المطلق للقوة الصهيونية لعله يكون بما فيه من كنوز القوى الروحية سبباً مؤثراً في إسقاط مقولة العولمة الصهيونية الأميركية.
كلمة صفير
وألقى رئيس أساقفة بيروت للطائفة المارونية المطران بولس مطر كلمة باسم البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير اعتبر فيها ان حوار الحضارات قضية من اهم قضايا الفكر والحياة لتعلقها بمستقبل التلاقي بين الناس في مواجهة مصيرهم الإنساني الواحد. خصوصاً في اللحظة الراهنة حيث يسيطر غيم داكن من الجنون بما راح ينذر بشر مستطير يقوض أركان الحياة الإنسانية برمتها. هذا الشبح أعطي إسماً هو الصراع بين الحضارات كما أعطي أباً وأماً بشخص واحد من أنبياء الشؤم ومخيلته السوداء وهو الكاتب الأميركي صاموئيل هانغتينتن الذي بدأ يلقى آذاناً صاغية مما يهدد المكتسبات الإنسانية والحضارية بالتداعي والإنهيار.
وقال: وهنا نلقي بتحية الإكبار للروح الوطنية الجامعة في لبنان وقد صارت هي الرد الأولي والمباشر على دعوات السوء هذه بإبراز الحوار اللبناني بين الحضارات نور يجلي ظلام الرحلة التاريخية التي نواجهها وطاقة بناء عالمي للنفوس فيما تعمل المعاول على هدمها.. اذ تعودنا ان يتهم الناس غيرهم في ما هم فاعلون من سوء. اما ان يتهم الله بالذات في تقويض حياة البشر وآمالهم بالحياة فإن ذلك هو الكفر الأكبر والشر الأدهى.
ودان إزهاق أرواح الأبرياء حيثما كانوا كما وأدان الحروب لانها هي المشكلة دوماً وليست الحل لأي مشكلة على الإطلاق.. لأن أسوأ أنواع التخاطب هو الذي يلجأ أصحابه إلى الحديد والنار وقيل بأن للإرهاب أسبابه القريبة وهي اليأس انه في الأعمال جرثومة خبيثة تنبت في بؤر الظلم والظلام والشفاء منه يتم باستئصال العوامل التي ادت إلى توليده.
واذ جدد رفضه للإرهاب رفض ظلم المظلومين وقهر المقهورين على شاكلة ما يجري في فلسطين. كما ورفض الدمج الخاطىء بين الغربيين والمسيحيين كما الدمج الخاطىء بين الارهابيين والمسلمين.
وختم بالدعوة إلى تقوى الله والتوبة إليه نظر إلى لقاء كلمة سواء لمركز الإمام الصدر عنواناً إسلامياً مشرقاً للحوار الإنقاذي للحضارة الإنسانية الشاملة.
كلمة هزيم
وألقى كلمة البطريرك الروم الأرثوذكس أغناطيوس الرابع هزيم المطران الياس نجم فاعتبر ان الامام الصدر قدوة في الدفاع عن الحق والعدل.. هذا الانسان الكبير في عطائه سيبقى حياً في ضمائرنا سائرين أبداً في سبيل الحق والنور مستلهمين نهجه وفكره وعلمه واستراتيجيته في المقاومة العنيدة ضد الشر وأطماع المحتل، وأعرب عن أمله ان تتحقق بفضل المقاومة الشجاعة المؤمنة بالله والوطن ان تتحقق هذه الاهداف المقدسة وفي مقدمتها تحرير القدس الشريف وكل فلسطين والاراضي العربية.
وتابع.. رسل السماء هم من ارسلوا اسس الحضارة فـ الحضارة في المجتمع البشري واحدة وان تعددت الثقافات التي على البشر ان يتحاوروا حول تنوعها في حديث مودة اذ لا اكراه في الدين. كما وأدان إزهاق أرواح الأبرياء حيثما كانوا ودعا إلى الصبر والحكمة والروية.
.. وكلمة لحام
وألقى كلمة بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام الأب الدكتور ميشال سبع فلفت إلى ان المحبة هي مشاركة وتبادل وفعل سواء. وقال: ان الحضارة الإنسانية حضارة واحدة روحها واحدة بينما حضارات الشعوب وان خصوصية اجسادها مكونة في الزمان والمكان. الحضارة الانسانية روحانية وحضارات الشعوب صدفوية وعقلانية.
واعتبر انه قدر للشعوب المتوسطية ان تكون شعلة الحضارة الإنسانية، ودعا إلى نصرة الحق والشهادة له وليس جديداً اغتصاب أرض بيت لحم وبيوتها وقتل أطفالها فهيرودوس يلبس عباءته الملطخة بالدماء كل الصهاينة الآتين خلفه، والمسيح الطفل كبر، وصار يقدر اليوم ان يمسك بيده حجارة، وختم بتحية الامام الغائب عنا والحاضر في قلوبنا جميعاً.. ونحن اليوم رغم الآلام التي قيض لنا ان نحياها نفخر أنك مررت بتاريخنا أيها الغائب فصار بك تاريخ انتظار ليوم قيامة الوطن.
بيان لجنة المتابعة
بيان اللجنة الوطنية لمتابعة قضية الامام الصدر ورفيقيه.
ثم أذاع الوزير بيار حلو بيان اللجنة الوطنية لمتابعة قضية الامام الصدر ورفيقيه فعرض ظروف تشكيل اللجنة على ضوء توصيات مؤتمر كلمة سواء الخامس، واعتبر ان مجرد تشكيلها يعتبر إنجازاً نظراً لانها أوجدت الإطار المناسب للمتابعة ونقلت القضية بحكم مواقع أعضاء اللجنة من الدائرة الصغرى إلى دائرة الهم الوطني العام سيما وأن اللجنة تمكنت خلال العام الأول لتشكيلها من إثارة الإهتمام الرسمي بها وعلى أعلى المستويات، بل هي أعطتها الزخم الدولي عبر اهتمام الجمهورية الإسلامية في إيران بمتابعة القضية.
وأعلن بأن اللجنة ستنقل القضية إلى المحافل والهيئات والمنظمات الدولية، ودعا الدولة اللبنانية إلى مضاعفة جهودها، والهيئات والفعاليات إلى ممارسة الضغوط لدعم مجهودات الحكومة واللجنة بهدف إجلاء غموض القضية وتحديد المسؤولين عنها.
المفتي قبلان
استهل المفتي قبلان مداخلته بالإعراب عن عواطفه تجاه الإمام المغيب مستذكراً بعض الأحاديث والمشاهدات المشتركة المتعلقة بالحرمان المنتشر في غير بقعة من لبنان. واعتبر الامام الصدر اماماً ساكناً في انسانيته، الناطق بالحقيقة حقيقة السلام السمح ذو البعد العالمي والذي جذب في فكره واطروحاته كل طلب معرفة..
واعتبر ان حوار الحضارات يستدعي الوقوف على تاريخ الحضارات للوصول إلى اكتشاف طرائق الوعي لديها. والحوار لا يدعو إلى مغادرة موقع التنوع والتعدد انما هو احترام لخصوصيات الآخر واكتشاف للمساحات المشتركة للإنطلاق منها إلى النظر في سائر الأمور. والعلمية في المفهوم الإسلامي نزوع إنساني وتوجه نحو التفاعل بين الحضارات والتلاقح بين الثقافات وهي تعني حب الإنسانية وتؤسس لعلاقات على قاعدة التعارف وليس على أساس النزاع، واستشهد بـ صحيفة المدينة التي ابرمها النبي محمد بين كافة فصائل يثرب لتصبح المدينة حرماً آمناً للتعايش السلمي في ظل احترام كل العقائد والإنسان في المفهوم الديني لا يعد كائناً سلبياً بل هو فاعل إيجابي يتأثر مما يجري حوله ويؤثر فيه.
وقال ان مسيرة حوار الحضارات تحتاج إلى حضور ونقد دائمين لكي تتطبع بطابع التجديد المستمر والاختبار الواسع وعلى جميع المستويات. وهو لا يشكل قطيعة بالماضي. ويجب ان يشتمل مشروع الحوار على كافة النخب والا يقتصر على العلاقات الدولية التجارية والاقتصادية.
ونوه قبلان بمميزات مشروع الامام الصدر وفحواها الإنفتاح على الآخر والقرب منه ومحاورته والإهتمام بالإنسان أولاً وأخيراً. وقد عبر عن ذلك في غير مكان، مثل لقاءاته مع جيل الندوة اللبنانية وتصريحاته الصحفية في الداخل والخارج. وقد أسس الإمام الصدر لثقافة شعبية مقاومة لأنه اعتبر مشروع الهيمنة الصهيونية يطال العمق الثقافي والحضاري لأمتنا ذات التراث الإنساني العظيم.
ودعا إلى إطلاق المشروع إلى الأفق العالمي وفق مبادىء العدالة واحترام حقوق الإنسان ضمن الدعوة إلى شراكة معرفية مع الآخر تقوم على الإعتراف بخصوصية هذا الآخر وليس على آليات تبرمج لعلاقة بين تابع ومتبوع..
الجلسة الأولى
واستأنف المؤتمر جلساته في الثانية والنصف بعد الظهر، ومحور الجلسة الأولى "من الصدام إلى الحوار" رأسها الوزير غسان سلامة وتحدث في مستهلها نائب رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد محمد علي ابطحي على ان حوار الحضارات ليس عمل رجال السياسة بل هو حوار رجال الثقافة وأرضية الحوار ثقافية، وقال: عندما أطلق خاتمي نداءه اعتقد البعض ان أرضيته سياسية وانه يهدف من ورائها إلى وصل ما انقطع مع الولايات المتحدة الأميركية.
وأوضح ان الإمام موسى الصدر علمنا لغة الحوار والإسلام ليس مساوياً للعنف والاغتيال كما يحاول البعض ان يصوره، مديناً سقوط الضحايا البريئة نتيجة أحداث 11 أيلول، وقال: نحن نعتبر ان ما يحصل "جريمة كبرى" ومسألة إجرامية، ولا شك ان مفجر أحد البرجين في نيويورك كان طالباً هادئاً ولا شك انه يجهل مضاعفات فعلية على العالم الإسلامي.
ولفت ابطحي ان الحوار ينبغي ان يكون بين طرفين وهو عملية أخذ وعطاء، وهناك في الإسلام من لا يريد ان يستمع إلى حضارة الغرب ومن جهة أخرى كان الغرب يحكي بلغة "التبختر" كأنه يأمر وعلى الباقي الإصغاء ونكاد نقول ان هذا هو الفكر الغالب في أميركا، فلغتنا نحن لغة الحوار، نفهم إيجابياتهم ونعطي إيجابياتنا ولا بد لهم ان يعرفوا ويعترفوا بإيجابياتنا ولا يمكن للحوار إلا بعد تعرف الطرفين عى بعضهما البعض والمأزق الراهن في العالم هو جهل كل طرف للآخر.
أضاف: كل القيم عندنا مقبولة مثل حقوق الإنسان والديموقراطية ومكافحة أسلحة الدمار ولكن لا ندري لماذا تلغى عند الوصول إلى إسرائيل، وهذا اللغز يحير الشرق، لماذا هناك درجة أولى ودرجة ثانية فإذا مات عندهم أحد تخرب الدنيا وتقوم ولا تقعد وإذا مات عندنا الآلاف لا فرق ولا أحد يرى الجرائم التي ترتكب بحق شعبنا الإسلامي.
وشدد ابطحي على ان الحوار يحتاج إلى التعاون الجدي بين الحضارات، فمن يفتعل الحرب لا يستطيع التحاور وندعو إلى أن يكون القرن الحالي قرن حوار بعد ان جعلنا من القرن الماضي قرن صراعات وحروب عالمية.
وتحدث المطران غريغوار حداد فعدد معاني "الحوار والصدام" ومفهومهما في القاموس والقرآن، لافتاً إلى العولمة الثقافية التي تهدد باقي الثقافات، التي تتسبب بتصاعد هيئات ومنتديات لمحاربة العولمة الثقافية والاقتصادية (سياتل، الولايات المتحدة) وفي فرنسا ودافوس في سويسرا وجنوا في إيطاليا، ونتهيأ الآن في لبنان ضد مؤتمر "التجارة العالمية" الذي سيعقد في قطر، وأهداف هذه المحاربة منها إقتصادية لمنع الامبريالية الإقتصادية من ابتلاع المؤسسات الصغرى والمتوسطة بل والكبرى لحساب "المؤسسات العابرة القارات".
ولفت حداد إلى أن هناك تمييز بين الحضارة والتراث، معتبراً ان الحضارة العربية هي تراث يحاول ان يصبح حضارة من جديد، وتراث غني جداً، تراث فكري فني عالمي، والتراث العربي تارة يتماهى مع التراث الإسلامي وتراث عربي يحاول بعض العلماء المسيحيين ان يصيغه مسيحياً عربياً. وطالب بإحداث حضارة عربية حديثة مرتبطة بالتراث ولكن غير مجمدة فيه وصولاً إلى إحياء الحضارة بدلاً من التغني بالتراث.
وتحدث عن العلاقة بين الحضارات والأديان، فهناك علاقة وثيقة بين كل دين والحضارة التي تواكبه، فتعدد الأديان من تعدد الثقافات، والحضارات هي وليدة الديانات وعرض للحضارتين الإسلامية والمسيحية والتباين في ما بينهما، مشدداً على ضرورة تجاوز الحروب الدينية والسياسية والاقتصادية الماضية بالرغم من الغنى الذي قد يكون كبيراً في مجلداتها التي لا حصر لها، والكف عن كل حوار هدفه الوصول إلى تعبير واحد فريد مطلق معصوم عن الغلط، يكفر كل تعبير آخر. وقال فالمسيحيون مسؤولون عن كلمات الانجيل وباقي المقدسة التي يؤمنون بها، يتعمقون بها ويعيشون بموجبها والمسلمون مسؤولون عن كلمات القرآن، يتعمقون بها ويعيشون بموجبها.
والمطلوب من المسيحيين والمسلمين ان ينهوا في ما بينهم جميع الحروب الدموية والكلامية، وان يكتفوا بالحياة والشهادة لما اقتنعوا به وأخذوا يعيشون بموجبه.
وأوضح ان بين المسيحية والإسلام هناك بعض العقائد والمبادىء الأخلاقية المشتركة، ولكن بينهما تناقضات كبرى يبدو من المستحيل تجاوزها. ففي الإسلام من الضروري عدم الغوص في تقريب التعابير العقيدية للوصول إلى تعبير مشترك، ولكن من الضروري أيضاً انفتاح العقل والقلب والايمان من أجل قبول تعابير الآخر كما هي.
وقال: ليس من أراضٍ مقدسة في فكر المسيح وهدفه ولان المسيحيين الغربيين حاربوا المسيحيين الشرقيين البيزنطيين وقتلوا منهم وهدموا كنائسهم ولا يزال هؤلاء يذكرون بمرارة مرور أولئك البرابرة. وسوسيولوجيا الرئيس الأميركي لا يمثل المسيحية لكي يعتبر ان هناك معركة ناشئة بين المسيحية والإسلام.
ولا يختصر الغرب ليتكلم باسم الغرب ويقود صليبية علمانية أي معركة أو حملة شاملة ضد الإسلام معتبراً الإسلام العدو الأخضر، بعد ان تلاشى العدو الأحمر أي الاتحاد السوفياتي.
أضاف: وعندما يصبح "بن لادن" الناطق العالمي باسم الإسلام أكان ذلك بإرادته أم بإرادة الذين وراءه أو فوقه، أو بسبب وسائل الإعلام الغبية أو المتذاكية، التي تظن أنها قادرة ان تحلل كل حدث، وأن ترى خفاياه.. عندما يصبح بن لادن المعتبر عند الكثيرين كالمسلم المؤمن الصوفي العرفاني، العالم بمصلحة الأمة الإسلامية أكثر من جميع الأئمة في بلاده وباقي البلدان الإسلامية العربية وغير العربية. عندما تتجند الصحافة العالمية، ومن أهمها تلفزيون الجزيرة لأجل إظهاره كفرد في مجابهة الدولة العظمى في عالم اليوم، عندئذ تصبح الالتباسات عديدة جداً، بين الإيمان والدين الإسلامي، بين الدين والسياسة، بين القيادة الدينية والقيادة السياسية.
واقترح حداد ان يخزن المؤتمر ببعض التوصيات أو المقررات أقله على صعيد التحاور الديني والمجتمعي والاتفاق على صيغة إيمانية كحد أدنى من اللقاء الأكيد بين الجانبين، وان يتخذ مواقف واضحة بالنسبة للقضايا المهمة لا سيما: القضية الفلسطينية، قضية تحرر الشعوب، قضية السلام ومعركة التسلح النووي، قضية الأقليات العنصرية أو الدينية وضرورة إعطائها جميع الحقوق الإنسانية التي لباقي المواطنين، قضية المساواة الحقيقية، قضية قيمة الإنسان المطلقة.
وتحدث في ختام الجلسة الأولى الوزير سلامة فتمنى لو كان الإمام الصدر بيننا لإدارة الحوار بجزم، لا نستطيع اختزال الحضارة إلى الدين فهناك صراع مزمن في الفلسطينيين الإسلامية والمسيحية حول مفهوم الحضارة وقال: كثيرون يعتقدون ان هناك حضارة واحدة هناك عملية مستمرة جزء من الفلسفة الفرنسية وجلّ الفلسفة العربية يقول بوجود حضارات والحديث عن صدى هذه الحضارات يخشى ان يشكل انزلاقاً خاطئاً مفهومياً وخطراً سياسياً.
أضاف: في القرن الماضي كان هناك معيار استراتيجي باصطدام الأحلاف الكبرى ومعيار ايديولوجي بالاصطفاف إما رأسمالياً وإما شيوعياً وكلا المعيارين سقطا قبل نهاية القرن مما أحدث فراغاً فدخل التفكير الثقافي بالكسر والخلع من باب المطبخ وليس من باب الصالون فهناك استغلال للعنصر الثقافي لاحلاله محل العنصر الايديولوجي المنحل.
ما يفاجئني ان يبادر بعض أبناء جلدتنا بتبني مفاهيم الخصم حول صراع الحضارات لا أعتقد ان الحوار بديل عن الصراع بل شكل من أشكال الصراع الحوار صراع مع الذات لتقبل بوجود الآخر وبشرعية اختلافه، الدخول في حوار هو دخول في مغامرة غير محسوبة قد تنتهي بأن تتبنى بعضاً من وجهة نظر الآخر، في يقين ان الدعوة إلى حرب دينية معولمة والدعوة الصليبية هما منطق واحد، منطق ان نكفّر الآخر لأنه ليس على ديني ولا يؤمن بقيمه.
أضاف: القول بهرمية الحضارات وبصراع محتم بين الحضارات وبوجود سدود منيعة بين الحضارات كلها أشكال من التفرقة العنصرية، إنها عنصرية معولمة. نحن في لبنان نرفض هذه المقولات ولا نقبل بتفوق حضارة على أخرى.
ثم كانت مناقشة واستراحة.
وعقدت الجلسة المسائية عند الرابعة والنصف بعنوان "الآخر في إطار حوار الحضارات" يرأسها القس الدكتور رياض جرجور، ويحاضر فيها الدكتور مرلين أبو شديد نصر والدكتور حسين كنعان.