مؤتمر "البعد الثقافي لمسيرة الإمام الصدر" قباني: معينه لا ينضب وقد دخل القلوب شمس الدين: جسد القيم وأكد الركائز- الثوابت

calendar icon 12 تشرين الثاني 1999

أجمع المشاركون في مؤتمر "كلمة سواء" الذي عقد أمس في فندق الماريوت بعنوان الهوية الثقافية، على أن الثقافة مفهوم متنوع الجوانب إلى درجة قد يمكن القول فيها أن ثمة مفاهيم متعددة للثقافة. فهناك الثقافة النظرية والثقافة بمعنى الأعراف والتقاليد والثقافة بمعنى المعرفة الفكرية التي تتكون منها وعلى أساسها الرؤية السياسية والموقف السياسي من قضايا الوطن والأمة.

عقد مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات أمس مؤتمر "كلمة سواء الرابع" بعنوان "الهوية الثقافية: قراءات في البعد الثقافي لمسيرة الإمام موسى الصدر" في فندق "الماريوت"، في حضور وزير التربية الوطنية والشباب والرياضة محمد يوسف بيضون ممثلاً رئيس الجمهورية العماد اميل لحود، النائب أيوب حميد ممثلاً رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وزير الشؤون الاجتماعية الدكتور ميشال موسى ممثلاً رئيس مجلس الوزراء الدكتور سليم الحص، الشيخ محمد علي صدوقي ممثلاً الرئيس الإيراني محمد خاتمي، مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني، رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الإمام محمد مهدي شمس الدين ونائبه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ عبد الأمير قبلان، قائمقام شيخ عقل الطائفة الدرزية بهجت غيث، المطران نبيل عنداري ممثلاً البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير، المونسنيور بول نياغا ممثلاً السفير البابوي في لبنان انطونيو ماريرر فاليو، والنواب محمود أبو حمدان، عاصم قانصوه، حسين يتيم، علي الخليل، عمار الموسوي، محمد رعد، محمد فنيش وبيار دكاش، الوزير السابق ميشال إده، العميد محمد عبد الله ممثلاً قائد الجيش العماد ميشال سليمان، المستشار الثقافي الإيراني الدكتور محمد التسخيري، عقيلة الإمام موسى الصدر وأبنائه وشقيقته السيدة رباب الصدر شرف الدين، عدد من السفراء والشخصيات السياسية والدينية والاجتماعية والفكرية.

رباب الصدر
وألقت السيدة رباب الصدر شرف الدين كلمة أكدت فيها أن الإمام الصدر الذي قال ان التعامل مع إسرائيل حرام قد أسس لثقافة رفض التطبيع التي قد تكون السلاح الأمضى ونحن على أبواب سلام قد يكون أخطر من الحرب، وهو الذي أسس لثقافة المقاومة يوم أعلن أن إسرائيل شر مطلق، وأعد رجالاً نذروا لله الأنفس وما زالوا الرقم الصعب في معادلة الصراع مع العدو، وهو الذي أسس لثقافة التواصل بين أبناء الوطن الواحد، يوم زرع الأرق في الدرب سعياً لحفظ كرامة الإنسان".

المفتي قباني
وألقى المفتي قباني كلمة قال فيها: " بين العلم والثقافة والمعرفة وبين الدين رباط وثيق وحبل متين، لا يدركه إلا ذو فطرة سليمة وقلب سليم، وأننا حين نجعل العلم والثقافة والمعرفة محور نشاطاتنا العقلية وأساس حياتنا الفكرية، الثقافة البانية التي تطل على الحوار والإنفتاح وتحقق سلامة المجتمع والوطن والأمة، وعندما نجعل الثقافة البانية أساس حياتنا على ضوء القواعد الهادية في القرآن الذي أنزله الله بعلمه فإننا لا نضل حينئذ ولا نشقى".

وأكد المفتي قباني "أن ثقافة القرآن ينبغي أن تأتي في طليعة الثقافة التي نعول عليها في منطلقات تفكيرنا وفي تطلعنا نحو الأفضل، لأن ثقافة القرآن تنير العقل والقلب والفكر معاً، كما تقوم على إعلاء شأن العلم والثقافة والمعرفة والتعارف والحوار والانفتاح على كل القيم التي تحض الإنسان على التفكير والتمسك بالقيم والأخلاق وحسن المعاملة".

أضاف:"من هذا المعين الذي لا ينضب كانت مسيرة الإمام موسى الصدر، من هذه القيم الثقافية السامية توجه إلى الناس وخاطبهم بلغة العقل والقلب معاً، فدخل إلى قلوب الناس، فاستفادت مما أنعم الله عليه من علم وثقافة ومعرفة وما اختزن في عقله وقلبه من قيم الإسلام وثقافته لأنها توجهت بخطابها إلى الأمم والشعوب، وإلى الناس جميعاً في كل مكان من العالم".

الشيخ غيث
وألقى الشيخ غيث كلمة تحدث فيها عن الإمام الصدر صاحب تلك الشمعة الفكرية التي أضاءت ما حولها وأحرقت أسراب فراش التخلف والاقطاع والجهل وأحدثت صدمة وعي ويقظة تفاعلت ولا تزال في المجتمع اللبناني المنفتح على مختلف أبعاد الثقافات والديانات والحضارات"، مشيراً إلى "أننا نعيش زمن عودة الإنسان إلى ذاته ليتعرف على نفسه ويعرف أسباب خلقه ويدرك أن خلاصه لا يتحقق إلا من خلال سفينة نفسه، ولا يتم ذلك إلا بصدق الإيمان لأن الإيمان الصادق عطر القلوب ومزكي النفوس".

المطران عنداري
وألقى المطران عنداري كلمة البطريرك صفير ذكر فيها بكلام الإمام الصدر: "ان لا سلام بلا تنسيق الجهد الثقافي ولا سلام مع الرغبة في فرض وحدة الأنظمة والآراء والإنتاج والعناصر، مذكراً بما قاله البابا يوحنا بولس الثاني عن لبنان، والدعوة للتأكيد على انه رسالة حرية وأرض حوار بين مختلف الديانات والثقافات".

وقال: "هذه النظرة إلى لبنان الثقافة والحضارة والإبداع والحداثة التي بلورها الإرشاد الرسولي رجاء جديد للبنان، هي كامن القوة والفرادة في مجال الثقافة والهوية الثقافية كونها حصيلة حوار الإنسان والالوهة، حوار الإنسان والطبيعة، حوار المسيحية والإسلام، حوار الحضارات وحوار البحر المتوسط، مؤكداً أن الحوار هو الوسيلة الأنجع والأسلم لتجديد المجتمع والفكر والإنسان".
وختم: "ان عظمة الوطن والمجتمع، في عصرنا لم تعد تقاس بمساحته ولا بعدد سكانه، وإنما بطاقته على الخلق وترسيخ الهوية. هذه الطاقة ان لم تعط المجال الحيوي والضروري لتفتحها، فلسوف نبقى أسرى التبعية الثقافية، والتبعية الثقافية أشد خطراً من التبعية السياسية.

المونسنيور نياغا
وألقى المونسنيور نياغا كلمة السفير البابوي نقل فيها الإهتمام والأهمية القصوى التي يوليها المونسنيور فاليو إلى الارث الثقافي للإمام الصدر وتحدث عن مساهمة الإمام الصدر في ضمان توازن الهوية اللبنانية خلال سنوات الحرب، مشيراً إلى القيم التي كان يؤمن بها وقوة الإقناع التي كانت تشع من شخصيته القومية.
ورأى أن نظرته إلى هوية لبنان الثقافية تتماشى مع ما يسميه الحبر الأعظم "الدعوة التاريخية للبنان"، وهي دعوة للحوار بين الديانات والثقافات والحضارات كافة. ودعا المونسنيور نياغا اللبنانيين للبحث عن كيفية خوض "معركة محبة" وليس معركة قاتلة من أجل الوصول إلى هوية ثقافية، وقال: "لا بد لهذا البلد في البداية أن يكون لبنانياً في العمق ومن ثم ان يقترح السلام كقيمة بحد ذاته وليس كحدث مادي".

الإمام شمس الدين
وتحدث الإمام شمس الدين عن مسيرة الإمام الصدر، معتبراً أنه عالم دين يمثل أحد أبرز وأنقى التعابير الحديثة للرؤية الدينية المستنيرة على قاعدة الاجتهاد المتفاعل مع قضايا المجتمع وقضايا الحياة المعاصرة، وقال: "ان الحديث عن الثقافة يستدعي دائماً الحديث عن أبعادها، وعما يكون عليه الإنسان في حياته الخاصة والعامة من مبادىء وأخلاق وقيم، لأن الحياة العملية للإنسان انما تتبلور في ضوء المعطيات الروحية والقيمية والعقلية التي يعيشها الإنسان، وقد سبق للإمام موسى الصدر ان عرف الثقافة وفسرها بالحياة العقلية، بكل ما تشتمل عليه من تشريع حقوقي وفلسفة وتصوف وعلوم وفنون وآداب، وهذا التفسير يلحظ الثقافة باعتبارها المضمون الداخلي للإنسان الذي يوجه حياته، ويميز شخصيته في الإجتماع الإنساني".

وأشار إلى "ان الثقافة مفهوم متنوع الجوانب إلى درجة قد يمكن القول فيها ان ثمة مفاهيم متعددة للثقافة، هناك الثقافة النظرية المحضة التي ليس لها أثر مباشر في المجتمع، وهناك الثقافة بمعنى الأعراف والعادات والتقاليد التي تنعكس في أنماط االحياة، وهناك الثقافة بمعنى يتجاوز هذا وذاك إلى المعرفة والمقولات الفكرية التي تتكون منها وعلى أساسها الرؤية السياسية والموقف السياسي من قضايا الوطن والأمة...
وقال: انطلاقاً من ذلك فإن الإمام الصدر كان يركز دائماً على الجانب الثقافي باعتباره جانباً وبعداً أساسياً.

وتابع: بمقدار ما تكون القيم المعاشة حية ومتحركة، بمقدار ما يكون ممكناً التحقق سياسياً واجتماعياً وثقافياً واقتصادياً. مؤكداً ان الركائز الثوابت لكل ثقافة هي القيم، فإذا كانت القيم الحية المحركة هي القيم الفردية والعشائرية (القبلية) التي لا تأخذ بالاعتبار حاجيات المجتمع والجماعة، وكانت معادية للتغيير والإبداع والتطور وتحول دون الإجتهاد والإنفتاح والحوار، وإذا كانت هذه القيم لا تخدم حقوق الإنسان وكرامته، فإنها لا تكون ثقافة نابعة من الإسلام ولا معبرة عنه، لأنها تؤدي إلى تفسخ المجتمع وتخلفه، وإلى ضعف الدولة وانحلالها، وإلى تقييد البشر بالقيود والأغلال".

وأردف: الإسلام يرحب بكل حرية فكرية إيجابية وكل تطور عقلي سليم ويعتبر كل هذا جزءاً من رسالة الإنسان في الحياة وواجباً من واجباته.

وختم: ان المؤسسات التربوية يجب ان تتركز مهمتها على إحياء القيم والمقولات الثقافية الإسلامية لا باعتبارها مواد علمية يكتفي بمعرفتها وانما باعتبارها مواد تربوية تساهم في تكوين شخصية الإنسان المسلم وتطبع سلوكه الحياتي.

source