مؤتمر "كلمة سواء" الرابع إختتم أعماله توصيات نبهت إلى اللغة ورفضها للمفاهيم المعاصرة وحذرت من مصطلحات الغزو الثقافي المدسوسة

calendar icon 13 تشرين الثاني 1999

واصل مؤتمر "الهوية الثقافية: قراءات في البعد الثقافي لمسيرة الإمام الصدر" الذي ينظمه مركز الإمام الصدر للدراسات والأبحاث أعماله في الماريوت.

وعقدت أمس جلسة صباحية ترأسها الوزير محمد يوسف بيضون حضرها الدكتور حسن حجيج، والدكتور سميح بركات وشخصيات سياسية ودينية وحزبية وفكرية، وحاضر الدكتور مجدي حماد والدكتور جميل قاسم. وأوضح بيضون في كلمته "إن الثقافة العربية في مواجهة التطبيع، هي أهم موضوع في إطار العلاقات الإسرائيلية أو العربية في حال تم السلام العادل والشامل في المنطقة وإعادة الحقوق العربية إلى أصحابها، والمقاومة ستكون في هذه الساحة ومن هنا علينا أن نقوي هذا سياج القيم المسيحية والإسلام في نفوسنا لأن هذا سيحفظنا مستقبلاً من تغلغل الثقافة الصهيونية في ثقافتنا العربية.

من ثم كانت محاضرة للدكتور قاسم بعنوان "الإختلاف والإعتراف، نقد المشهد الثقافي العربي" اعتبر فيها "أن منطلق الإختلاف هو الذي يجعل من كاتب كمحمد باقر الصدر، يحسب على الأصولية يدرك التطورات التقدمية ما بعد – النيوتونية، الكوانطية، والإحتمالية والنسبية والدينامية للمادة، فيما يكون كاتب مادي، آخر (حسن مروة) يحسب على التقدمية أصولياً في ماديته، لا يطلع على آخر منجزات العلم في مجال الفيزياء والطاقة.

كما يجعل منطلق الإختلاف نفسه، فقهياً عالماً كالسيد محمد حسن الأمين لا يرى في العلمنة الحقيقية ما يتنافى مع التعدد الديني والثقافي فيما لا يقابل هذا الموقف بموقف الإعتراف من دعاة "نقد الفكر الديني" (صادق جلال العظم) – المناوءة للقيمة الدينية والقدسية والمتعالية للوجود.

وألقى الدكتور حماد محاضرة بعنوان "الثقافة العربية والإسلامية في مواجهة التطبيع" مما جاء فيها:
يجب أن لا تنسينا ثقافة النخبة التركيز على الثقافة العربية الإسلامية الشعبية، لأن هذه الثقافة الأخيرة تمثل عمقاً بعيد الأغوار راسخ الجذور، ولأن المواطن العربي الإسلامي العادي هو مادة العروبة والإسلام، والعجلة والفلك الذي تدور عليه أمتنا نهوضاً وانكفاء. وحقيقة الأمر أن سوسيولوجيا اليوم هي سياسة الغد على حد تعبير بوتول. وعلى هذا فالتحصين السوسيولوجي الثقافي لأمتنا يتم من خلال العض بالنواجذ على منطقنا الشعبي وموضع حماسنا واعتزازنا، بأدبنا وفولكلورنا، بموقعنا في الحياة، بموسوعتنا الثقافية، بجمالياتنا وأخلاقياتنا.

أما الجلسة الثانية فترأسها ممثل النقيب كرم، مستشار النقابة الدكتور كمال فضل الله الذي اعتبر أنه:
"باستحضار مناحي فكر الإمام المغيب السيد موسى الصدر نلقي الضوء عليها، نجد أننا أمام معالم ومنارات بهديها يتم الوصول إلى الحقيقة والجوهر وأداء رسالة الإنسان المنفتح على أفاق الدنيا بكل جوانب الخير والعطاء فيها.

وقد حاضر في هذه الجلسة محمد فاضل مبيدي، ورأى أن "الإمام موسى الصدر كانت نظرته للدين والمجتمع نظرة إصلاحية. والقاسم المشترك بينه وبين السيد جمال الدين الأسد أبادي هو أنهما كانا ينظران إلى الدين منزهاً من الحشو الزوائد التي وصمت به في طول التاريخ وأيضاً كانا معاً يؤكدان على الجهات المنقول عنها في الدين فكانا يعتبران الرجوع إلى الإسلام الأصيل هو الركيزة الأولى لانتصار الإسلام في العالم.

وعند الثالثة من بعد الظهر بدأت الجلسة الثالثة والتي ترأسها الوزير السابق ميشال إدة فكان له وقفة عند مسيرة الإمام الرائدة الذي جعل التراث الذي خلفه، في صلب الذاكرة الجماعية، مصدر إيحاء واستلهام، واعتبر "أننا اليوم نستلهم الكثير الكثير من الذهنية التي أطل منها الإمام على وقائعنا اللبنانية. وهو ما يسوغ حقاً التقدير الكبير للهواجس المعرفية والتثقيفية".

وقدم الشيخ طه الصابونجي مداخلة بعنوان "ثقافة الحوار في مجتمع متعدد" توقف فيها عند الخطاب السياسي وخطورة أدائه في مجتمع تعددي، وما يتوقف عليه من توافق وترابط في مجتمع تعددي، إذا التزم الخطاب ثقافة الحوار وأخلاقها وأهدافها. ومن المؤكد أن الخطاب السياسي حين يخرج عن تلك الثقافة لا يكون خطاباً سياسياً، بل يتحول إلى مركب مخرق، يوشك أن يغرق بأهله ويغرق مجتمعه معه. ومن المؤسف أن أكثر الأزمات وأعنفها في أي مجتمع تعددي يسبقها ويمهد لها الخطاب السياسي الإنعزالي الذي يتحول إلى خطاب تحريضي وتقسيمي يدمر كل ما حوله. كما أن من الملاحظ بحق أن الحوار لا يسمو ويعطي أفضل الثمار إلا إذا كان مترافقاً مع الخطاب السياسي الملتزم بثقافة الحوار التي تمثل المحور المستقيم الذي تدور به وحوله كل القضايا والتوجهات نحو مستقرها الآمن. وأخيراً يأتي دور المثقفين الذين ينصبهم المجتمع أو ينصبون أنفسهم مرجعيات للفكر، والتطورات الإجتماعية.

ورأى الدكتور أنطوان مسرّة في محاضرته "ثقافة المواطن" أنه من الحكمة عدم مجابهة الفئوي والانعزالي والأممي والتقدمي والتطوري في توجهاتهم ذات الطابع المذهبي أو الثقافي، والإنصراف إلى العمل الجاد واليومي في مجال تمتين روابط المجال العام.

وترأس الدكتور محمد علي شهرستاني الجلسة الرابعة ورأى "أن البعد الثقافي عند الإمام الصدر هو حجر الأساس في التجديد والتطوير.

وتناول الدكتور طلال عتريسي "خطاب المقاومة في فكر الإمام الصدر" فعرض للمبادىء التي كونت استراتيجية الإمام الصدر للمقاومة ضد إسرائيل منذ بداية 1960 والتي اصطدمت بجدار الحرب الأهلية ونيرانها التي اندلعت في 1975.

واعتبر الدكتور منذر جابر في محاضرته عن "الجنوب اللبناني والثقافة الشعبية المقاومة" أن اللحمة ما بين الجنوب وبين ذاكرة الإنسان الجنوبي "صندوقاً أسود" يسجل حركاته وسكناته، لحمة لا تعرف فواصل أو انقطاع.

واختتم المؤتمر بتوصيات منها:
يرى المؤتمر أن الدين هو جوهر الثقافة ولا خوف عليه منها:
أكد المؤتمرون أن الهوية الثقافية بمفهومها الحي هي ذاك الكل الذي يشكل المضمون الداخلي للإنسان والضمير الجمعي للأمة الذي يميز شخصيتنا الحضارية.

ويشدد المؤتمر على أهمية الانتباه إلى لغتنا، وعاء الفكر وتجلياته، وعلى ضرورة رفدها بالمصطلحات العلمية والمفاهيم المعاصرة.

وحذر، في إطار اللغة، من الاستعمالات "البريئة" لبعض المصطلحات التي أفلح الغزو الثقافي في دسها في قاموسنا اليومي بعد أن ألبسها مدلولات خطيرة تشذ عن مدلولاتها اللغوية الأصلية (مثال: التطبيع).

واعتبر المؤتمر أن العولمة الجارية غير متكافئة، وتهدد هويات الثقافات الأخرى لأنها لا تعترف بآخرية الغير وبغيرية الآخر.

وحذر المؤتمر من أن الصراع الثقافي هو أخطر وأبشع أنواع الصراعات، ومعركة المستقبل معركة ثقافية يسعى فيها المستكبر للاستيلاء على التاريخ كما الجغرافيا ويحاول محاصرة الخيال وليس الواقع فحسب.

كما ويحذر بأن "التطبيع" الجاري تسويقه هو مشروع لتفكيك وتدمير المقومات الذاتية للثقافة والحضارة العربية والإسلامية انه مشروع إخضاع النفوس.

وأكد المؤتمر على توصيات مؤتمرات "كلمة سواء" السابقة.

للإمام الصدر علينا عهد ووعد بأن نستمر كما يشاء، وتبعث "الهوية الثقافية" للإمام السيد موسى الصدر برسالة حرية تحياتها مفردات من حوارات الكلمة السواء، مضمونها الوفاء والمقاومة حتى التحرير، غلافها الصبر ومرارة التظلم، ودلالاتها الحرية، الحرية، الحرية..!

source