عقد مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات، قبل ظهر أمس، مؤتمره الرابع في "كلمة سواء" وعنوانه هذا العام "الهوية الثقافية، قراءات في البعد الثقافي لمسيرة الإمام موسى الصدر"، في فندق الماريوت.
وحضر جلسة الإفتتاح الوزير محمد يوسف بيضون ممثلاً رئيس الجمهورية، والنائب أيوب حميد، ممثلاً رئيس مجلس النواب، والوزير ميشال موسى ممثلاً رئيس الوزراء والرئيس حسين الحسيني، ونائب الرئيس الإيراني الشيخ محمد علي صدوقي، ومفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني ورئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ محمد مهدي شمس الدين وقائمقام شيخ عقل الطائفة الدرزية بهجت غيث والنائب البطريركي الماروني العام المطران أنطوان نبيل العنداري، والوزير السابق ميشال ادة والنواب حسين يتيم وعلي الخليل وعاصم قانصوه وبيار دكاش ومحمود أبو حمدان وعمار الموسوي، والعميد محمد عبد الله، ممثلاً قائد الجيش، ورئيس الجامعة اللبنانية الدكتور أسعد دياب والمطران خليل أبي نادر والمفتي الجعفري الممتاز الشيخ عبد الأمير قبلان والسيد علي الأمين والمونسنيور بول نياغا، ممثلاً السفير البابوي، والسيدة رباب الصدر شرف الدين.
شرف الدين
بدءاً، تقديم من حسين حمادة، ثم كلمة رباب الصدر شرف الدين، ومما قالت: "الإمام الصدر الذي قال ان التعامل مع إسرائيل حرام قد أسس لثقافة التطبيع، التي قد تكون السلاح الأمضى ونحن على أبواب سلام قد يكون أخطر من الحرب. والإمام الصدر الذي أسس لثقافة المقاومة، يوم أعلن أن إسرائيل شر مطلق، وأعد رجالاً نذروا لله الأنفس وما زالوا الرقم الصعب في معادلة الصراع مع العدو.
وهو الذي أسس لثقافة التواصل بين أبناء الوطن الواحد، يوم زرع الأرق في الدرب سعياً إلى حفظ كرامة الإنسان.
ومؤتمرنا لهذا العام قراءات في البعد الثقافي لمسيرة الإمام الصدر انه بعض إطلالة على بعض جوانب مسيرة هذا الإمام الكبير الذي حمل الوطن كل الوطن، وآمن بالإنسان قيمة كونية مثلى".
قباني
إلى المفتي قباني الذي رأى في كلمته "ان ثمة رباطاً وثيقاً وحبلاً متيناً بين العلم والثقافة والمعرفة وبين الدين"، لافتاً إلى "ان ثقافة القرآن ينبغي ان تأتي في طليعة الثقافة التي تعول عليها في منطلقات تفكيرنا وأساسيات حياتنا، وفي تطلعنا نحو الأفضل، ونحو المستقبل". وأضاف: "من هذا المعين الذي لا ينضب كانت مسيرة الإمام الصدر. تلك القيم الثقافية السامية انطلقت مسيرته وتوجهه إلى الناس كل الناس. فخاطبهم بلغة العقل وبلغة القلب معاً، فدخل إلى قلوب الناس، وتحلّقت من حوله الجموع، وتلقحت من علمه العقول".
غيث
تلاه الشيخ بهجت غيث، وفي كلمته: "يأتي المؤتمر استكمالاً لبحوث مؤسسات الإمام الصدر، بغية إلقاء مزيد من الضوء على الهوية الثقافية وأبعادها وتأثيراتها في مسيرة نهوض الأمة التي استمرت ولم تتوقف أو تغيب بتغييب صاحبه تلك الشمعة الفكرية (الإمام الصدر) التي أضاءت ما حولها وأحرقت أسراب فراش التخلف والاقطاع والجهل وأحدثت صدمة وعي ويقظة تفاعلت ولا تزال في المجتمع اللبناني".
ورأى "أننا نعيش على مشارف زمن عودة الإنسان إلى ذاته ليتعرف إلى نفسه ويعرض أسباب خلقه ويدرك ان خلاصه ونجاته من طوفان مفاسد هذا العصر لا يتحققان إلا من خلال سفينة نفسه الجادة في طلب شاطىء الأمان" ولن ينفعه إنتماؤه بالهوية إلى أي دين أو طائفة أو مذهب يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم".
صفير
إلى كلمة البطريرك صفير ألقاها المطران أنطوان العنداري، وجاء فيها: "يقول ميشال شيحا في محاضرة له في الندوة اللبنانية ما معناه: "ان لبنان لا يفنى ولا ينضب. من خلاله يمكننا رؤية العالم كمن يطل على البحر الواسع من مكان شامخ. اذ ان وراء المظاهر يأخذ الوضع اللبناني أبعاده التاريخية... "التي تطبعه بخصوصية يتفرد بها". وفي المعنى نفسه، يقول الإمام المغيّب: "لا سلام بلا تنسيق الجّد الثقافي... ولا سلام مع الرغبة في فرض وحدة الأنظمة والآراء والإنتاج والعناصر...".
ولطالما استعمل قداسة البابا يوحنا بولس الثاني تعبير "دعوة لبنان التاريخية" للتأكيد على أنه "رسالة حرية" وأرض "حوار بين مختلف الديانات والثقافة..." وذلك ما يبرر القول "انه أكثر من وطن، انه رسالة"، انه "قيمة حضارية ثمينة". وأضاف: "بما ان الهوية الثقافية حصيلة حوار الإنسان والألوهة وحواره مع الطبيعة وحوار المسيحية والإسلام وحوار الحضارات وحوار الحوض المتوسط، لذا فالحوار هو الوسيلة الأنجع والأسلم لتجديد المجتمع والفكر والإنسان (...) ولعلنا ندرك اليوم، بعد محنتنا القاسية، أننا شركاء بل رفقاء مدى العمر، وان مقومات الهوية الثقافية اللبنانية تقوم على التنوع، لا على الأحادية (...) ان عظمة الوطن والمجتمع، في عصرنا، لم تعد تقاس بمساحته ولا بعدد سكانه، انما بطاقته على الخلق وترسيخ الهوية".
فيليو
وألقى المونسنيور نياغا كلمة السفير البابوي انطونيو ماريا فيليو ومما جاء فيها: "يؤسفني كثيراً ألا أكون قد عرفت الإمام الصدر شخصياً هو الذي كان مصدر وعي قسم كبير من الشعب اللبناني لهويته. كما يؤسفني أكثر غيابه المفاجىء إذ لكان تمكن من المساهمة بشكل فاعل، في ضمان توازن الهوية اللبنانية خلال سنوات الحرب، نظراً إلى القيم التي كان يؤمن بها وقوة الإقناع التي كانت تشع من شخصيته القوية التي دمغت التاريخ اللبناني المعاصر.
كانت حياته وأعماله تعكس تماماً اقتناعاته الإجتماعية الثقافية، وكلنا يعرف فعل إيمانه بلبنان الوطن الحر والدائم".
وأضاف: "الهوية الثقافية ليست مكتسباً جامداً بل واقع متحرك. الهوية ليست متوازنة توازناً مطلقاً. إنها حقيقية لكن في الوقت عينه تبحث دائماً عن ذاتها. ومن أجل بلوغ هذا الهدف، لا يتعين على اللبنانيين شن "معركة قاتلة" يخوضونها عسكرياً أو ايديولوجيا بل أن يبحثوا الاحرى عن كيفية خوض "معركة محبة" على قول الفيلسوف الألماني الشهير كارل ياسبرز.
(...) قال الرئيس الإيراني السيد خاتمي في تصريح لصحيفة "النهار" قبل أسبوعين "ان لبنان هو ملجأ الفكر والحوار والثقافات ووطن التعايش بين مختلف الأديان في هذه المنطقة" ("النهار" السبت 30 تشرين الأول 1999 ص 16) اعتقد انها دعوة لبنان التي تكمن فيها ملامح هويته الثقافية التي لطالما عززها الإمام الصدر ودافع عنها. ولكي يتمكن لبنان من الاستمرار في إعطاء العالم العربي والمنطقة والعالم أجمع ذاك الروح الضروري لكي تعيش الشعوب بعضها مع بعضها، ومن أجل بعضها البعض، لا بد لهذا البلد في البداية من ان يكون لبنانياً في العمق ومن ثم ان يقترح السلام كقيمة بحد ذاته وليس كحدث مادي".
شمس الدين
وختاماً، كلمة الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وجاء فيها: "ان الإمام الصدر، باعتباره عالم دين يمثل أحد أنقى التعابير الحديثة للرؤية الدينية المستنيرة وأبرزها على قاعدة الإجتهاد المتفاعل، الإجتهاد مع قضايا المجتمع وقضايا الحياة المعاصرة، وهو من جيل الفقهاء الذين عملوا على تطوير رؤية في مجال الإجتهاد تلحظ جدل النص الشرعي مع الحياة والواقع إنطلاقاً من المكونات الذاتية للنصوص من دون استعارة مناهج وأفكار غريبة على اللغة العربية أو على طبيعة الشريعة الإسلامية. ان الحديث عن الثقافة يستدعي دائماً الحديث عن أبعادها، وعما ينبغي ان يكون عليه الإنسان في حياته الخاصة والعامة من مبادىء وأخلاق وقيم، لأن الحياة العملية للإنسان إنما تتبلور في ضوء المعطيات الروحية والقيمية والعقلية التي يعيشها الإنسان، وقد سبق للإمام الصدر أن عرّف الثقافة وفسرها بالحياة العقلية، وبكل ما تشتمل عليه من تشريع حقوقي وفلسفة وتصوف وعلوم وفنون وآداب، وهذا التفسير يلحظ الثقافة باعتبارها المضمون الداخلي للإنسان الذي يوجه حياته ويميز شخصيته في الإجتماع الإنساني".