افتتحت في العاشرة قبل ظهر أمس في فندق "الكومودور" أعمال مؤتمر "كلمة سواء" الذي ينظمه "مركز الصدر للأبحاث والدرسات (صاد)"، وحاضر في يومه الأول 7 تناولوا موضوع الحوار الإسلامي – المسيحي وأبعاده.
حضر جلسة الإفتتاح ممثل رئيس الجمهورية وزير الإعلام باسم السبع وممثل رئيس مجلس الوزراء وزير التعليم المهني والتقني فاروق البربير.
وكان لافتاً غياب أي ممثل لرئيس مجلس النواب نبيه بري ولحركة "أمل".
كذلك حضر الرئيسان حسين الحسيني وشفيق الوزان والنواب: علي الخليل، حسين يتيم ونسيب لحود والسفير البابوي المونسنيور بابلو بوانتي وسفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية همايون عليزادة والمفتي الجعفري الممتاز الشيخ عبد الأمير قبلان.
بعد آي من الذكر والنشيد الوطني ألقت رئيسة مؤسسات الإمام الصدر السيدة رباب الصدر شرف الدين كلمة ترحيبية قالت فيها: "لم يطرح الإمام الصدر مسألة الحوار المسيحي – الإسلامي عبثاً، والقرآن كتابه "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء" و "جادلهم بالتي هي أحسن".
ولا غرابة في أن يتقبل المسيحي هذا الموقف والإنجيل كتابه، فلا يجتمع حب الله وكره الإنسان.
كان هم الإمام الصدر أن يتفهم الواحد الآخر وأن يتقبله، وأن يعترف الواحد بالآخر، حتى تتوازن حركات المجذافين ويتحدى المركب جنون الريح.
ولأن الإمام الصدر كان يدرك تمام الإدراك ان مشكلات العالم المتسترة بلباس الدين هي في الأصل خلافات حول المصالح، شاء ان يعريها. فأطلق شعار الحوار المسيحي – الإسلامي ليكون بين العقول تواصل وبين الأديان تفاعل. وخافت "الأنا" من فعل "النحن" فكانت المأساة التي أودت بالبلاد والعباد.
إيماناً منا بخط الإمام الصدر، بادرنا إلى إنشاء "مركز الصدر للأبحاث والدراسات (صاد) بغية جمع آثار الإمام الصدر ضمن منهجية المدرسة التي أنشأ، نقدمها إلى الناس الغارقين في البحث عن الحقيقة حتى يبرز الإيمان كله في وجه الشرك كله.
ولعل سائلاً يسأل، لماذا اليوم وليس قبلاً، وهنا نجيب: لا يفعل العقل فعله في عالم الهوس البدائي، ولا يجدي الحوار وسط قرقعة السلاح وضجيج الإنفعالات.
أما اليوم وقد عاد إلى النفوس بعض اطمئنانها، وإلى العقول دفء مناخها، نطل بالطرح من جديد، ونصر على المضي قدماً في الطريق وهمنا رضا الله وخدمة الإنسان والوطن".
بوانتي
ثم كانت كلمة السفير بوانتي وفيها: "قبلت بسرور الدعوة إلى الإشتراك في هذا المؤتمر الذي ينظمه مركز الصدر للدراسات والأبحاث في لبنان حول الحوار الإسلامي – المسيحي. إني أشكر السيدة رباب الصدر التي قدمت لي إمكان التحدث إليكم ولا تغيب عن ذاكرتي شخصية الإمام موسى الصدر البارزة الذي سررت بمعرفته خلال إقامتي الأولى في لبنان بين الأعوام 1973 و 1977.
ان العلاقات الإسلامية – المسيحية هي الموضوع الأكثر تدوالاً في نهاية القرن العشرين مع إطلالة الألف الثالث. ان مستقبل البشرية يتوقف إلى حد كبير على العلاقات التي سوف تقيمها الديانتان السمويتان الكبريان. هذه العلاقات تلزم أبرز جوانب الوجود البشري، أي ارتباط الإنسان بالله وارتباط البشر في ما بينهم وارتباط البشر مع الحياة والتاريخ.
ولهذا السبب فإن العلاقات الإسلامية – المسيحية، بالإضافة إلى كونها موضوعاً من موضوعات الفكر اللاهوتي، تتعلق أيضاً بعلم الإجتماع ومجال البحوث في السياسة والإقتصاد وهي خصوصاً تبادل ثقافي وتحليل للحياة والتاريخ انطلاقاً من مفاهيم يمكن ان تتلاقى وان لم تكن تتطابق دائماً.
أريد اليوم ان أتوقف عند هذا العنصر الثقافي وهذا التحليل للحياة والتاريخ والجدير بأن يحمل المسلمين والمسيحيين إلى اشكال من التعاون على الصعيدين النظري والعملي، اشكال تعاون ذات أهمية لحاضر الشرق الأوسط ومستقبله.
هذا البحث الثقافي المشترك بين المسيحيين والمسلمين، يحتل مكانة مميزة وبالتحديد في لبنان بما له من رسالة أكيدة ان يكون مختبراً للبحث والتطور الثقافي، ومما يعود بالفائدة على لبنان ومنطقة الشرق الأوسط كلها. وقد لا تجد في هذه المنطقة بلداً يحظى بمثل هذه الإمكانات ليكون الضمير المفكر في الشرق الأوسط.
تمر اليوم منطقتكم في الشرق الأوسط في مرحلة يعتبرها الجميع أنها حاسمة، ففي عشرات الأعوام الأخيرة أريق الكثير من الدماء وذرف الكثير من الدموع فوق أرضكم، ويحتمل ان يراق ويذرف المزيد منها أيضاً.
بالإضافة إلى ذلك فإن لبنان والبلاد الأخرى في المنطقة قد تحملت الكثير من أشكال الحرمان، ولم يكن في المستطاع تأمين النمو الطبيعي في حقل السياسة والإقتصاد والثقافة، تلك المعاناة هي تجربة قد تقود إلى التطرف أو إلى مواقف سلبية وإلى جمود.
في مقابل ذلك أعتقد، كما يعتقد ربما العديد بينكم، ان على المسيحيين والمسلمين ان يتجندوا في وجه هذه الصعوبات للتعاون معاً في البحث عن مستقبل وعن خطة قصيرة وطويلة الأمد، يجب تحضيرها لمواجهة تحديات عصرنا الكبيرة. علينا ان نسير معاً نحو فكرة أساسية في حياة العالم، لا بد منها في مفهوم التاريخ والبشرية الا وهي: الحداثة.
من الطبيعي الا يجوز ان نخلط بين الحداثة الحقيقية وبعض الإنحرافات المعاصرة مثل العنف والسطحية والرأسمالية الهمجية والمادية والفلتان الجنسي وانحرافات يرسلها لنا الغرب في الكثير من الأحيان من خلال الأفلام والبرامج الإذاعية والتلفزيونية والمجلات والصحف، ليس كل ذلك "حداثة" بل هو انحطاط. الحداثة هي مجموعة قيم أساسية للشخص البشري الذي خلقه الله ويتوجب على المسلمين والمسيحيين ان يحققوها واقعياً كقاعدة لمجتمعهم.
الحداثة هي حرية وحق وديموقراطية وحوار واحترام الأفراد وتعاونهم.
الحداثة لا تعني ان "تملك أكثر" وحسب بل ان "تكون أكثر"، ان تكون أكثر انسانية وأكثر حرية وان تحترم أكثر وتكون أكثر احتراماً لحقوق الآخر. هذا ما يعطي للشخص البشري الكرامة التي لا يستطيع أحد، مهما كان غنياً أو فقيراً، ان يهدمها.
هذه القيم هي تراث كل اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، من دون استثناء، هي قيم تبرر وجودكم كأمة ووجودكم في الشرق الأوسط. وتشمل:
- حرية التعبير والصحافة والدين والثقافة والرأي والحرية السياسية والإجتماعية والإقتصادية.
- الحق: الحقوق الفردية لكل انسان من دون استثناء المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة، حقوق الطفل، حقوق الشعوب في أن تعيش حياتها وان تعيش بسلام وان تحترم وان تصان معتقداتها الدينية وخصائصها الثقافية والإجتماعية. الحق في النمو المتوازن، حقوق الشعوب في الاستقلال، وسلامة أراضيها والكرامة والحرية.
- الديموقراطية كنهج سياسي ونمط عيش في المجتمع، لا ديموقراطية نظرية وحسب بل أيضاً عملية حيث يستطيع كل المواطنين ان يشتركوا في فرص متكافئة. أعتقد أنه قد حان الوقت لحض المسيحيين والمسلمين على التفكير في هذه القيم، مما يسمح لنا ان نضع معاً نموذجاً من المجتمع يتلاءم مع الحاضر ومع لبنان ومع كل الشرق الأوسط في نهاية هذا الألف الثاني.
خطة مستقبلية من شأنها ان تعطي معنى لتطلعات العرب العالية، العرب، مسيحيين ومسلمين، في وجه التحديات المستجدة التي تتطلب حلولاً رصينة وراهنة.
خطة سلام، لأن السلام آت يوماً ما، ولكن لخطة سلام في الشرق الأوسط ينبغي ان تضم في جوهرها قيم تضامن يحفظ، رغم الصعوبات، شرعيته، توجهاً واتحاداً.
أترك هذه الأفكار لتقديركم، علها تحمل بعض الإفادة في هذا الموضوع الأخاذ، موضوع الحوار والتعاون وتهيئة مستقبل مشترك بين المسيحيين والمسلمين في لبنان وفي كل هذه المنطقة".
رسالة أمانة سر الفاتيكان
أضاف بوانتي: "يشرفني بصفتي ممثلاً قداسة البابا يوحنا بولس الثاني، ان أقرأ رسالة أمانة سر الدولة إلى السيدة رباب الصدر شرف الدين جواباً على الرسالة التي وجهتها إلى قداسة البابا:
"سيدتي:
في السابع من آب الماضي وجهت رسالة جليلة، بواسطة السفارة البابوية في لبنان، إلى قداسة البابا الذي كلفني ان أشكرك جزيل الشكر على بادرتك اللطيفة نحوه. "ان البابا إذ تسره الدراسات حول المساعي الروحية التي يعيرها مركز الإمام موسى الصدر انتباهه، يتمنى ان يكون البحث عن الله، لدى المؤمنين في الشرق الأوسط ولدى جميع ذوي الإرادة الطيبة في المنطقة، مناسبة لحوار أكثر عمقاً يسهم في بناء مجتمع أكثر إخاء، وان قداسته يلتمس ان يمدك العلي القدير بعونه.
وإذ يسعدني أن أكون لسان البابا، تفضلي، أيتها السيدة بقبول احترامي الديني".
التوقيع ج. ب. راي
وكيل أمانة سر الدولة".
وختم بوانتي: "أيها الأصدقاء، شعوراً مني بالصداقة المخلصة التي تربطني ببلدكم، وادراكاً مني لميزة لبنان الخاصة في الحوار الإسلامي المسيحي، أعرب لكم عن أطيب التمنيات والتوفيق لهذا اللقاء، وليكن الله الرحيم معكم".
قباني
وتلاه مفتي طرابلس والشمال الشيخ طه الصابونجي باسم القائم مقام المفتي الشيخ محمد رشيد قباني ومما قال: "(...) إذا كان الحوار قضية دينية ملزمة وضرورة عالمية معاصرة فإنه في لبنان ركيزة الوطن وأسس الاستقرار وجلاء كل الأوهام والأزمات. فلبنان وطن الأديان، وشعبه مجموعات مؤمنة تفيض حماسة وغيرة على معتقداتها. وهذه المجموعات الدينية عميقة الجذور تتبادل أصفى علائق الود والتعاون، كلما ارتفعت عنها الأطماع والدسائس الأجنبية التي تحاول ان تجد موضع قدم في الشرق، وتمارس نفوذها بين دوله، أو كلما خفتت أصوات الطامعين بالمناصب الذين لا يجدون وسيلة الا العزف على أوتار التعصب الطائفي.
وقد أضيف إلى ذلك عامل خطير هو عامل الكيد الإسرائيلي الذي يطمع في تفتيت لبنان والمنطقة العربية عن طريق الإقتتال الطائفي، والتكاره الديني، ولا يقضي على ذلك إلا بالحوار المعمق والتعاون الصادق. فليس في لبنان مشكلة دينية، مشكلته الأساس طائفية مفتعلة، تستخدم الدين لتحقيق مآرب شخصية واقتناص المناصب والثروات واستغلال المسلمين والمسيحيين على حد سواء، والإساءة إلى حقائق الدينين العالميين، والسماح لأجهزة الإعلام المعادية باحداث فجوات في العلاقات الإسلامية والمسيحية، حتى يخرج أمين عام الحلف الأطلسي ليعلن عن احتمال معركة بين الحلف والإسلام، استناداً إلى ما يحدث في بعض المناطق، ومنها لبنان، بينما يعلن اللبنانيون تمسكهم بوحدتهم الوطنية، واعتزازهم بحوارهم الديني الذي يزيل كل لبس، ويعصم الشعب من الخلاف والتشتت.
وتحضرنا هنا كلمة دولة رئيس مجلس الوزراء الشيخ رفيق الحريري في ملتقى حواري حيث يقول: تنوعنا الديني موطن قوة لا موطن ضعف، وبيئة ازدهار وتوحد لا مبعث تأزم وانقسام. والدينان اللذان تدين بهما كثرتنا الساحقة دعوتان عالميتان صدرتا عن هذه المنطقة وتوطنتا فيها، الانكماش ضد طبيعتهما وضد منطقهما وينبوعهما واحد هو الارث الابرهيمي الذي تشدنا اليه أواصر الدين والعيش والقومية والثقافة والجغرافيا.
نحن هنا في لبنان مسلمون ومسيحيون في حوار مستقر نحو العدل السواء في الاعتقاد، والعدل السواء في الانسانية، ونحن في العالم مسيحيون ومسلمون جبهة واحدة في وجه الالحاد والفساد وفي الطريق الى حوار حضاري عالمي لتأسيس حضارة الإيمان حضارة الحق وكرامة الإنسان".
صفير
ثم كانت كلمة البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير ألقاها نيابة عنه المطران بولس مطر فعرض استهلالاً "النظرة المختلة إلى الغرب، عند المسلمين والمسيحيين" ثم عرض "النظرة الجديدة الإسلامية والمسيحية إلى الغرب" وبعدها تكلم عن "لبنان المسلم والمسيحي ودوره الإنقاذي للشرق والغرب في آن واحد" وقال:
"ندعو إلى درس هذا الدور اللبناني الفريد في خدمة الإنسانية العالمية عبر الأديان والثقافات والمواقف الصحيحة منها في كل مجال. فنسارع إلى القول ان الغرب في نهاية هذا القرن لم يعد مسيحياً بالمعنى الحصري للكلمة، هو لا ينكر الجذور المسيحية لثقافته ولكن خياراته السياسية والاقتصادية وحتى الأخلاقية لم تعد تنبع حكماً من المستلزمات المسيحية في هذه الأمور. وابتعاد الغرب عن مسيحيته خسارة له وضياع. تكفي الإشارة هنا إلى وضع العائلة فيه وتفككها المخيف. أما الشرق الإسلامي فانه يفتش عن ذاته أحياناً عبر الأصولية التي يخشاها الغرب ولا يفهمها حق فهمها. فالأصولية في حد ذاتها هي عودة الى الأصول أو إلى الأصالة، وان كانت هي هكذا فهي نعمة وليست بنقمة، إذ يحق للشعوب ان تفتش عن هويتها وان ترفض التغرب الفكري والسياسي لابنائها، لكنها ملزمة في كل حال كل "كلمة سواء" تقال بين شعب وشعب وبين ثقافة وثقافة. فعلى المسلمين في لبنان ان يقدموا إلى العالم الإسلامي بأسره نظرة كاملة تتصالح فيها الأصولية والحداثة في تناغم وتوافق كاملين.
ونحن جميعاً في لبنان كوننا نحيا نعمة التلاقي بين المسيحية والإسلام في جو من الحرية الخلاقة والمسؤولة، نستطيع ان نقوم بدور عالمي شامل وذلك بشرط عيش المسيحية الحقيقية والإسلام الحقيقي وبشرط التفاهم العميق والمحبة المتبادلة وبشرط الترفع فوق الآفاق الضيقة والمحليات الصغيرة، عندئذ ندخل في حوار مع المسيحية الحية في الغرب من أجل انقاذ القيم الإنسانية فيه من الضياع، وفي حوار مع الإسلام الحي في الشرق وفي كل مكان من أجل حفاظه على قيمه، فتتفاعل معها كل الشعوب".
وخلص: "نحن في هذا المؤتمر أمام فرصة للقيام بفعل إيمان بلبنان العالمي الدور والإفادة. وان لنا منه اليوم وعداً بغد مشرق بفضل الميامين من أبنائه ومحبيه، فوق كل ظلمات الحاضر وظلاماته، فهنيئاً لمن يطلون بروحهم وبشوقهم إلى منازل الغد. فهم ليسوا أهل نظرة إلى الأمور وحسب، بل يصيرون حيالها أهل رؤيا. فاليهم نكل قبل سواهم أمر المصير".
غيث
بعده تكلم القائم مقام شيخ عقل الدروز الشيخ بهجت غيث ومما قال: "(...) نولي الأهمية القصوى في كلمتنا لمعنى كلمة السواء التوحيدي ونحن في أمس الحاجة إلى فهم جوهره والترفع عن إضاعة الوقت في البحث بقشوره، فنقول بكل صدق ومحبة وإخلاص ان العالم كله في واقعه وجوهره ينقسم قسمين لا ثالث لهما، قسم في جنة العقل والسعادة وقسم في جهنم الجهل والشقاء. وهذا حال المجتمع البشري في كل دين ومذهب وطائفة وشعب وأمة على وجه الأرض الواحدة وتحت هذه الشمس الواحدة. ومظاهر الأديان والمذاهب والطوائف وغير ذلك من تعدد الإنتماءات والهويات ليست إلا ألبسة متعددة بألوانها وقياساتها وأحجامها وأنسجتها للجسم الإنساني الواحد، وقد يلبس الجسم هذا الثوب ثم يبدله بذاك ثم يعود ويرتدي هذا ويبقى الجسم جسماً مهما اختلفت معالم خلقته وتبدلت وتفاوتت أماكن وجوده وتغيرت قياسات ألبسته وألوانه. وانتماء الهوية الجسمانية لدى الخلق لا يغير انتماء الهوية الروحية لدى الخالق، ومن هنا ينضج المعنى العميق لجوهر الآية الكريمة: "ان الدين عند الله الإسلام".
وقد قال سبحانه وتعالى في كتاب الخلق والإبداع: "هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير" (التغابن 2)، "خلق السموات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم واليه المصير" (التغابن 3) وهو سبحانه وتعالى أعلم بخلقه وألطف بهم وأقرب إليهم من حبل الوريد ولكن أكثر الناس لا يعلمون. أمرهم بالتراحم ورحمهم وأمرهم بالتصادق وصدقهم وأمرهم بالجود وجاد عليهم وأمرهم بالعفو وعفا عنهم وأمرهم بالكلمة السواء وساوى بالعدل في ما بينهم في قوله وقوله الحق وما خلقكم وما بعثكم الا كنفس واحدة. فليس بقابل منهم الا مثل ما أعطاهم ولا آذن لهم بالخروج عما أمرهم به ونهاهم عنه.
فأين إنسان هذا العصر الغارق في مفاسد وشرور ما صنعته يداه من الحضارة المزعومة والمخدوع بسراب المادة الذي خنق روحه والهاه بالنعم وانساه المنعم عليه، فنرى ونسمع كل يوم ما يحدث في هذا العالم من نزاعات وحروب وصراعات دولية وعرقية ودينية ومذهبية وما يعيش هذا العالم من هواجس ومخاوف وأخطار تتسارع وتتزايد وتقترب من الكارثة مع نهاية هذا القرن، وقد صدق من قال إذا ذهب الوفاء نزل البلاء (...)".
شمس الدين
وختاماً تكلم الشيخ شمس الدين الذي اعتبر "ان لبنان حافظ على وحدته ورسوخه رغم كل التحديات".
وقال ان الوحدة في لبنان "تحتاج إلى حوار دائم ينبغي ان نبقى نقدم به على مستوى الوطن وعلى المستوى الإسلامي – المسيحي، من أجل ان نعيد دائماً صوغ أنفسنا بما يلائم نظام مصالح يضم الجميع ويستطيع أن يتهيأ للتحديات المستقبلية".
أضاف: "اننا نريد الحوار الإسلامي المسيحي في لبنان لعيشنا المشترك الواحد ولبناء علاقات أخلاقية بيننا، وأكبر ما يواجهنا في هذا المجال هو إعادة بناء المجتمع وإعادة بناء الدولة، وهما القضيتان الكبيرتان في حالنا الحاضرة".
وأوضح ان مواجهة المشروع الصهيوني ليست بتنفيذ القرار 425 بل بتجسيد رسالة للبنان تواجه هذا المشروع وعندما نتوافق على هذه المواجهة في ما بيننا ننطلق موحدين لدرء هذا الخطر". وأكد "اننا لا نريد تحرير لبنان وحسب، بل نريد استعادة مشروع لبنان في مواجهة المشروع الصهيوني، فقد توهم البعض في الشرق والغرب ان هناك رأيين وصوتين واتجاهين حيال المشروع الصهيوني والكيان الصهيوني، ولكن اتضح العكس لم يكن نداء المسجد يختلف عن نداء الكنيسة".
وأكد "ان الحوار الإسلامي – المسيحي ليس ترفاً أو فضولاً من القول بل هو حاجة حياة كانت قائمة ولا تزال قائمة حتى الآن. وفي لبنان كان هذا الحوار احدى انصع تجارب لبنان وانقاها، وكان الإمام الصدر فارساً كبيراً في هذا المجال. وهذا الحوار هو ضرورة لمواجهة التحديات المقبلة". وأشار إلى ان "صورة الغرب في عقلنا وفي روحنا تجلت تجليين نريد التخلص منهما:
في الاحتلال النابليوني وفي الاحتلال البريطاني. وحتى يومنا هذا تجلت بالاستعمار، وأقول من دون مجاملة ان الحوار يقوم على الصراحة المهذبة لان الغرب الجديد لا يزال يرتكب الاخطاء نفسها. ونتساءل عن موقف الغرب من مجتمعاتنا وعن القيمة الانسانية الحقيقية التي ينظر بها الينا (...).