كلمة العلامة السيد هادي خسروشاهي في الجلسة الأولى من مؤتمر "كلمة سواء": الإمام الصدر والحوار
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين. بودّي ان استهل هذا الحديث الوجيه بمقدمات ربما تكون بديهية بيد أن تكرارها يبدو مفيداً. أولى هذه المقدمات عن وضع المسيحيين في بلاد المسلمين، فالعلاقة التي تربطنا معهم تنقاد لمبدأ التعايش المشترك في إطار المواطنة ونحن في الجمهورية الإسلامية في إيران نتعايش مع المسيحيين في إطار الدستور باعتباره الميثاق الوطني الأم الذي يجمع كافة الانتماءات الدينية والقومية في البلد ويحفظ حقوق جميع أتباع واصحاب كافة المذاهب الرسمية والعلاقة وفقاً لمبدأ التعايش مثالاً لوضع قائم في بلاد المسلمين جميعاً وبالتالي فنحن لسنا في مجرد حوار مع مواطنينا المسيحيين بل نحن في تعايش مشترك وربما كان مرد ذلك أننا وهم مصبوغون بحرارة واحدة وملة واحدة هي ملة ابراهيم عليه السلام. نعم إننا وهم مصبوغون بصبغة الايمان والإسلام ويقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين﴾ ﴿ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل﴾.
﴿فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من انصاري إلى الله قال الحواريون نحن انصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون﴾ وإلى آخر الآية وربما فهم البعض هذه المقدمة بشكل خاطئ فحاربوا المسيحيين ولكن هذا البعض لا يخرق القاعدة ولا ينال منها إذ يبقى التعايش هو المبدأ ولا نعرف للمواجهة بيننا معنى. وهذه المواجهة تأتي من خارج العالم الإسلامي على الأغلب، وفي مضمار الحوار ومكوناته نميل إلى استبعاد الحوار الكلامي الذي بدا عاجزاً عن ان يقول شيئاً مفيداً برغم علاقته الزمنية وكثرة المنتديات التي وجدت من اجله، ربما تتحقق بفضل الإمام خطوة إلى الأمام على الصعيد الكلامي ولكن يبقى الخط العام متسماً بالعقم لأسباب منهجية عميقة.
أما المقدمة الثالثة فهي تتعلق بالبواعث والاهداف وفي هذا المجال نعبر عن رؤيتنا بصراحة، ونحن نرفض الغطاء السياسي حيث يتحول منتدى الحوار الاسلامي المسيحي إلى وسيلة لأغراض وخطط ونوايا سياسية للحكومات أياً كانت. فالاعلام الواعي الديني والسياسي والاشتراكي يتداخلان في موضوع العلاقة الراهنة بين العالم، الاسلام والغرب، وبالتالي فإن الحوار بينهما ليس دينياً بحتاً ولكن الحوار في حضارة كل منهما. هذه المقدمات الثلاث اردت الاشارة اليها ثم اردت القول ان القرآن ارتفع بعيسى ومريم عن المنحدرات السحيقة التي تطاولت اليها بعض الكتابات حولهم.
اخواني واخواتي لقد ورد في القرآن الكريم اسم عيسى في 25 آية واسم المسيح في احدى عشرة آية واسم مريم في 34 موزعة على النحو التالي: عيسى 9 مرات، ابن مريم 13 مرة، والمسيح 3 مرات، والمسيح ابن مريم 5 مرات، والمسيح عيسى ابن مريم 3، وابن مريم مرَّتان، ومريم عشر مرات، ومريم بنت عمران مرة واحدة. ومن جميل ما فعله القرآن انه وصف المسيح عيسى بـ 22 صفة من مقامات الولاية فرفع الله قدره، وهذه المقامات هي أنه كان عليه السلام عبد الله وكان نبياً في سورة مريم وكان رسولاً إلى بني اسرائيل في سورة آل عمران وكان واحداً من خمسة. في سورة الاحزاب، فسورة الشورى، فسورة المائدة، ومقاماً في سورة النساء وآخر في سورة المائدة ... الخ.
ان الفكرة الاساسية التي اريد ان أؤكد عليها انه لولا القرآن لما كانت للمسيح وامه عليهما السلام كل هذه القداسة والوجاهة في دنيا الناس وخاصة في العالم الاسلامي وجزى الله علماءنا خيراً فيما قدموه في هذا المجال من ميراث كبير على مر العصور السابقين واللاحقين منهم من الشيعة والسنة.
وفي الختام نشير إلى لغة الارقام التي استعملها القرآن الكريم لتجليل مكانة عيسى ومريم عليهما السلام حيث وصلت الآيات التي ذكرتهما إلى 175 آية اشتملت على كلمات تعادل اربعين بالمئة تقريباً من كل كلمات القرآن.
﴿إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أذكر نعمتي عليك وعلى والدتك ... ﴾.
في هذه الآية الموجودة في القرآن الكريم نستطيع ان نحسن الاوضاع اكثر في البلاد الاسلامية والعالم المسيحي مع التحيات والشكر للسيدة رباب الصدر لقيامها بعقد هذه الندوة الفكرية المباركة، ومع تحية الشعب الإيراني المسلم للشعب اللبناني المقاوم ولقائده المغيب الإمام الصدر مع اجلال واكبار والسلام عليكم ورحمة الله.