* مثله سماحة الشيخ القاضي دالي بلطة
* مؤتمر “كلمة سواء” العاشر "التنمية الانسانية ابعادها الدينية والاجتماعية والمعرفية"
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى رسل الله أجمعين وعلى آل النبي وأصحابه أجمعين وبعد...
عنوان جديد يجمعنا اليوم ضمن سلسلة عناوين حيوية تعوّدنا أن نلتقي في ظلالها في مثل هذه الأيام من كل عام بدعوة كريمة من مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات تحت شعار كلمة سواء وأظنه من أكثر الموضوعات حيوية في هذا العصر وبالنسبة لأمتنا التي تحمل حضارة عريقة منذ أن وجدت مكانها على هذه الأرض بين الأمم, ومنطلقاتها قد تأسست على عقيدة مسلمة وليست على ابتداع فإن الله سبحانه وتعالى الذي خلق الإنسان على أحسن ما خلق مخلوقاً وزوده بأسباب المدارك جميعها من السمع والبصر والفؤاد لم يرده الله تعالى أن يبقى مع مرور الأزمنة جامداً كما خُلِق أولاً كما هي عادة جميع المخلوقات التي لم تتغير منذ أبيها الأول ولم يؤثر أنها أضافت جديداً مع توالي الأيام فهنالك فرق كبير بين إرادة خلق كل المخلوقات وخلق هذا الإنسان الذي كان منذ البداية مؤهلاً للنمو والتطور حيث قال الله تعالى فيه: "وعلَّم آدم الأسماء كلّها" وخاطب البشرية جمعاء على لسان رسله: "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها" ليحمل الإنسان بذلك مسؤولية لا تقف عند حد معين طالما أنه يتحرك على وجه هذه الأرض فيأخذ من سلفه ويعطي خلفه أكثر مما ورث وهذا مشهد مألوف لدينا جميعاً نراه أمامنا كما نراه في تاريخ البشرية في الأزمنة الغابرة من خلال هذا الكم الهائل من الإرث الإنساني المتراكم ولا يقوم بهذه المسؤولية خير قيام إلا الصفوة منا نحن معشر البشر في مختلف الميادين فعندما يكون المجتمع الإنساني في عمله الإعتيادي اليومي تكون هنالك ثلة تفكر لا كما يفكر الجميع وتسهر حين ينام الآخرون وتجود حين يبخل الكثيرون ثم تراهم لا يتأخرون عن إهداء ما يتوصلون إليه من المعارف إلى البشرية جمعاء تغمرهم السعادة والسرور كما كان الإمام الجليل السيد موسى الصدر يناضل في حياته من خلال الموقع الذي يسرّه الله له فتتبعوا كل خطواته وتأملوا في كل كلمة قالها فهل كان هدفه إلا التنمية الإنسانية والأخذ بيد الصغير والكبير نحو المستقبل الأفضل ولكن وبكل أسف أين هذا الفكر المتنور والحركة الدؤوبة الهادفة التي تجسدت في حضوره وخطاباته وحواراته ولماذا تمتد اليد الآثمة لإٍسكات الصوت النابع من القلب، إنها أزمة الوجه الآخر للإنسان الذي لا يزيد إنساننا النوعي إلا تألقاً والتصاقاً في حياة الإنسانية ووجدانها بينما يغيب إنسان الوجه الآخر اسماً ورسماً مع لعنات الأرض والسماء والأولين والآخرين فهل هذا هو قدر العظماء حتى تتقد جذوتهم أكثر فأكثر؟!!!
إننا في كل يوم ندفع ثمناً باهظاً من ثروتنا الإنسانية الغالية فالإمام لم يكن الأول والأخير فبالأمس القريب افتقدنا أيضاً رجلاً من أغلى الرجال عنيت به المغفور له الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي أطل علينا من باب التنمية الإنسانية ففتح أبواب العلم على مصراعيه لكل راغب وأنشأ مراكز للتنمية الاجتماعية ومد يده لكل محتاج وأسعف المرضى وجال وصال من أجل إعادة هذا البلد إلى موقعه الحضاري بعد تلك الحرب التي عصفت به فلم تُبْقِ ولم تَذَرْ فلماذا كانت هذه النهاية المشؤومة؟!!
هل إن هؤلاء عندما تتطاول اليد الآثمة لتنال منهم فهل هي تتطاول على أشخاصهم أم على ما يمثلون من حالة إنسانية بين قومهم؟
لن يخطئ أحد في الاهتداء الى الجواب الحق الصحيح فالإساءة إلى الأمة لحرمانها من عناصر القوة والتقدم ومن هنا تتفجر الأمة من جديد إنها مؤامرة تستهدفها من المتآمرين عليها كي تبقى أمة مستهلكة وسوقاً تجارياً لبضاعاتهم وسلعهم ومن أجل سلب خيراتهم ونهب ثرواتها واستعمارها سياسياً واقتصادياً وهذه حالة تستدعي مواجهة شاملة على مستوى الأمة للخروج مما نحن فيه من حالة العجز أما الحالة القائمة اليوم فإنها لا يمكن أن تبشر بالتنمية الإنسانية في عالمنا فالتشرذم فضلاً عن أنه مدخل للإستعمار فإنه يورث في النفس المحدودية وضيق الأفق والخصومات والنزاعات التي قد تريح عدو هذه الأمة من عبء التآمر أما أن يكون القرار على مستوى الأمة فهو فضلاً عن كونه واجباً انطلاقاً من قوله تعالى: " إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" فإنه يحقق التكامل والقوة وسعة الأفق وبعد الرؤية والمهابة وتبادل الخبرات وهي عناصر حيوية بالنسبة لتنمية الإنسان وتطويره وهذا ما تدركه التجمعات الإنسانية المتناقضة في بعض الأحيان فما الذي يمنعنا نحن من هذه الخطوة بل لماذا نعود إلى الوراء في هذا المجال بينما العالم يتقدم فيه في كل المجالات.
نرجو أن يكون هذا اللقاء نقطة انطلاق يدرك أهميتها الجميع وأن يكون صوتاً تصحو به الضمائر وتثوب العقول إلى رشدها رحمة بهذا الإنسان الحائر المحبط في عالمنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته