"كلمة سواء" العاشر ـ التنمية الانسانية وأبعادها الدينية والاجتماعية والمعرفية خاتمي: بُعد الانسان عن الله سببه التجنّيات باسم الدين

calendar icon 02 كانون الأول 2005 الكاتب:باسمة عطوي

وجهان بشوشان ينضحان بالعمق الفكري والوجداني والديني هما وجهي الرئيس الإيراني السابق السيد محمد خاتمي والإمام المغيّب السيد موسى الصدر، أضفيا بالأمس على مؤتمر "كلمة سواء العاشر ـ التنمية الانسانية أبعادها الدينية والاجتماعية والمعرفية"، هيبة واسعة ترجمت غنى الرجلين في مقاربة الأبعاد الثلاثة التي اتخذها المؤتمر عنواناً، للتنمية، والتي كانت لهما مدخلاً إلى عالم السياسية.

سطوة الرجلين ظهرت في الحضور الرسمي والشعبي الكثيف وفي مقدمتهم رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي حرص على حضور المؤتمر بعدما كان مقرراً ان يمثله النائب أيوب حميّد، في حين ان مساحة محبة الرئيس خاتمي والإمام الصدر بدت كبيرة في صفوف الطلاب والشباب الذين ألهبت أكفهم تصفيقاً لمجرد سماعهم اسم الرئيسالإيراني وأصغوا لسماع كلمته التي قاربت قضايا وجدانية وفلسفية وانسانية وسياسية في المنطقة.

حضر المؤتمر كل من ممثل رئيس الجمهورية الوزير محمد فنيش، وممثل رئيس مجلس الوزراء الوزير فوزي صلوخ والرؤساء حسين الحسيني، ورشيد الصلح والنواب أيوب حميّد، غازي زعيتر، علي بزي، عبد اللطيف الزين، محمد رعد، علي عمار ناصر نصرالله، مروان فارس، روبير غانم، ايلي سكاف، اسماعيل سكرية، قاسم هاشم، علي حسن خليل، أنور الخليل، حسن فضل الله، حسن يعقوب، عباس هاشم، ممثل الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، ممثل مفتي الجمهورية الشيخ محمد دالي بلطة، ممثل البطريرك نصرالله بطرس صفير المطران بولس مطر، الشيخ عبد الكريم عبيد، السفير الإيراني في بيروت مسعود ادريسي نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، السيدة رباب الصدر، رئيس مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات السيد صدر الدين الصدر مبتكر معرض "موسى الصدر... الإمام الرؤيوي" الفنان جورج الزعني، ممثل النائب وليد جنبلاط رامي الريس وحشد من الشخصيات.

الصدر
بداية تلاوة لآيات من القرآن الكريم، ثم النشيدين اللبناني والإيراني، ثم كلمة مؤسسات الإمام الصدر ألقاها نجله صدر الدين ذكّر فيها مواقف والده المناهضة للحرمان والعدوان والظلم وأضاف: "من خلاصات تقرير التنمية البشرية التأكيد على أن مسألة التنمية في العالم العربي أصبحت من التعقيد بحيث انه لم يعد بالإمكان إغفال أي جانب من جوانب الحياة البشرية عند طرحها.. فالاجتماعي أصبح متداخلاً بالسياسي والكل متشابك بالبعد الاقتصادي.. هي عملية تغييرية نهضوية إصلاحية متعددة الأبعاد تحكمها رؤية شاملة تهدف إلى الارتقاء بالانسان وتمكينه من مواجهة التحديات التي تعترض طريقه نحو المستقبل، المستقبل الذي يختاره بناء على معطيات البيئة المحيطة بكل أبعادها.. الاجتماعية والسياسية الاقتصادية والثقافية والانسانية..".

الزعني
بعدها تحدث الزعني فأشار إلى ان ما استوقفه في الصدر "هو عباراته الرائعة والفن مرآة الحضارات، وأي حضارة ارقى من تلك التي نادى بها وبدأ بها، كما ان معرضه أشعة شمس أرادوا لها أن تغيب".

دالي بلطة
واعتبر دالي بلطة في كلمته "اننا ندفع ثمناً باهظاً من ثروتنا الانسانية الغالية فالإمام لم يكن الأول والأخير فبالأمس القريب افتقدنا ايضاً رجلاً من أغلى الرجال عنيت به المغفور له الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي أطل علينا من باب التنمية الانسانية ففتح أبواب العلم على مصراعيه لكل راغب وأنشأ مراكز للتنمية الاجتماعية ومد يده لكل محتاج وأسعف المرضى وجال وصال من أجل إعادة هذا البلد إلى موقعه الحضاري بعد تلك الحرب التي عصفت به فلم تُبقِ ولم تذر فلماذا كانت هذه النهاية المشؤومة؟!!

مطر
ورأى مطر في كلمته "ان لا تنمية خارجاً عن الدين ولا سبيل إلى تحقيقها إذا ما فقدت بعدها الديني لأنها تفقد إذ ذاك جوهرها الانساني برمته. على أن هذا البعد الايماني للتنمية يضمن لها ايضاً بعدها الاجتماعي المطلوب ويؤسس لهذا البعد الثاني فكراً وعملاً. لكن البعد الاجتماعي للتنمية يواجه اليوم مشكلات شديدة التعقيد نتيجة لما بات يسمّى بحضارة الاستهلاك ولنوع من الاقتصاد مبني على التنعم الفردي بخيرات الأرض وطاقاتها. فأنت إذا ما رحت تستهلك الأشياء استهلاكاً لن تسأل عن قدرة غيرك ولا عن طول يده إلى ما تطال يداك".

قبلان
وأكد قبلان في كلمته ان طموحه هو ان "يتحول شبابنا من ناقل للمعرفة إلى صانع لها، ومن مستورد إلى مستثمر، وهذا يتطلب جهوداً جبارة يجب أن تبذل لأن الذي يطلع على تقارير التنمية الانسانية في عالمنا العربي والإسلامي يجد كم هو مقلق واقعنا وكم هي مخيفة الأرقام التي تتحدث عن نسبة الأمية ويدرك الأهمية الكبرى التي تحتلها المعرفة في تنمية الشعوب وتقدمها والتي لا تتعارض أبداً مع واقع عقيدتنا الإسلامية فالاسلام يأمرنا بأن نتعلم".

خاتمي
واعتبر خاتمي في كلمته بأنه وبالرغم من "أن الحضارة الغربية قد أدارت نوعاً ما ظهرها للغيب، إلا أن تاريخ العصر الحديث لم ينأ تماماً عن الصراعات والنزاعات المتأثرة بالحوافز الدينية.

فبغض النظر عما واجهه المستعمرون ودعاة الهيمنة في المستعمرات والبلدان التي تعرضت لغزوهم من مقاومة مستمدة من منهل الايمان الديني للشعوب، فإننا لاحظنا في مناطق عدة وفي فترات غير بعيدة من عهد الهيمنة الاستعمارية نزاعات دموية مدمرة جابه فيها كل من طرفي الصراع الطرف الآخر بدافع ديني.
فلقد عانت الجزائر وطوال سنوات من كابوس دامٍ تناحر فيه الأصوليون من أدعياء الدين من جهة والجيش والقوى السياسية والاقتصادية العلمانية من جهة اخرى. وبمقياس مصغّر نلاحظ الظاهرة ذاتها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومناطق عديدة اخرى وحتى في تركيا التي جرت العادة على اعتبارها بيئة آمنة للتمثل بالغرب وللعلمنة.

لكن هذه الظاهرة لم تقتصر على العالم الإسلامي والدول غير الغربية. ففي الغرب كذلك خلق حق المعارضة الدينية المتاعب. وهو حق يرتبط أساساً بتخليص الايمان التقليدي من تجاوزات الديموقراطية العلمانية".

وأضاف: "من هذا البحث المستفيض أريد أن أخلص إلى القول بأن ما حصل كان نتيجة للإعراض عن الله. فحين يغيب الله عن البال والحسبان، يزول الحب وتتلاشى العدالة. وللخلاص من هذه المحنة ليس للبشرية سوى العودة إلى الله وإذكاء نور الايمان في القلوب وفي صميم مجتمعاتها. لكن هذا لا يعني الدعوة للعودة إلى الماضي وإحياء الأساليب والنظم اللاانسانية تحت ستار الدين. فلا يغيبن عن بالنا أن أحد أهم أسباب إزورار الانسان المتحضر عن الدين يكمن في الانحرافات والتجنيات المفروضة قسراً على البشرية باسم الدين. فالعلمانية الخاصة بتاريخ الغرب هي نتاج طبيعي وحصيلة أفرزها التشاؤم وسوء التصرّف الجامح الذي تم باسم الدين في حقبة ما قبل الحداثة. عندما أتحدث عن الدين لا يتواءم حديثي اطلاقاً مع أولئك الرعيين من ذوي العقلية المنحرفة ممن يحصرون الدين في الظواهر، وهو ما يعود في جانب أساسي منه إلى الانطباعات الخاطئة عن الدين أو العادات الموروثة من الماضي والتي تطبعت بطابع القدسية والخلود. فلا أعني بالدين السلوكيات القاسية واللاحضارية التي تعارض متشدقة بالدين كل ما هو حديث ورائد، وتعتبر القتل والإرهاب جهاداً وإطفاء جذوة العقل إيماناً وحرمان المرأة من كافة حقوقها تقوى والتصدي للعلم والتطور زهداً".

source