افتتح مؤتمر «كلمة سواء العاشر» اعماله، صباح امس في قصر الاونيسكو، بعنوان «التنمية الانسانية أبعادها الدينية والاجتماعية والمعرفية»، الذي ينظمه مركز الامام موسى الصدر للأبحاث والدراسات، ويستمر ثلاثة ايام.
حضر الافتتاح وزير الطاقة والمياه محمد فنيش ممثلا رئيس الجمهورية العماد اميل لحود، النائب أيوب حميد ممثلا رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي وصل قبل انتهاء جلسة الافتتاح، وزير الخارجية فوزي صلوخ ممثلا رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة.
كما حضر رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية السابق محمد خاتمي، رئيس أساقفة أبرشية بيروت المارونية المطران بولس مطر ممثلا البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير، الشيخ محمد ناجي بلطه ممثلا مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الامير قبلان، الرئيس حسين الحسيني، الرئيس رشيد الصلح، سفير ايران في لبنان مسعود الادريسي، الشيخ نعيم قاسم ممثلا الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، ممثل العلامة السيد محمد حسين فضل الله، وعدد من الوزراء والنواب واعضاء من السلك الديبلوماسي وشخصيات عسكرية واجتماعية وحزبية ونقابية وحشد من المواطنين غصت بهم قاعة الاونيسكو.
الصدر
بداية، آي من الذكر الحكيم تلاها الحاج أنور مهدي، ثم النشيد الوطني ومقطع من نشيد «إلام رسول السلام»، وقصيدة لعريف الاحتفال الشاعر حسين حمادة، فكلمة رئيس مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات القاها نجل الامام موسى الصدر السيد صدر الدين، الذي قال: وقف الامام الصدر ضد الظلم الطائفي لأنه لم يحقق المساواة، مطالبا الدولة بتحمل مسؤولياتها، معتبرا ان الغاية النهائية من التصدي للحرمان هي الاستثمار في الانسان وتأمين المناخ الملائم له لتفجير كفاياته عبر تمكينه من المهارات والكفاءات ما يمكنه من تحقيق ذاته وخدمة مجتمعه». ورأى «ان دور لبنان - الرسالة هو ضرورة قصوى للعالم، كما ان دوره وموقعه السياسي في محيطه رسالة حضارية ايضا لأن الامام الصدر كان يعتبر ان هذا الدور لا يتم الا بالعدالة الاجتماعية والعروبة الحضارية والحرية والمساواة.
ولفت الى انه في ظل أنظمة شمولية انتخب رؤساءها، من دون منافسة ولعقود ليس باستطاعة حتى العرافين تحديد أمدها، وحيث لا قدسية الا للزعيم الواحد الملهم وعائلته مع بعض المنتفعين هنا وهناك وحيث الاستبداد والسجون والمعتقلات والقتل والمقابر الجماعية والشح والفقر والحرمان والفساد، وحيث لا شيء حرا لا لجنة ولا هيئة ولا مجلس، فأي تغيير يرتجى؟ وأبدى الصدر قلقه ازاء الواقع العربي الذي يضعنا امام خيارين، اما الاستعمار المقنع وإما المباشر»، وقال: «وهل أبلغ من الدكتاتور عميد الزعماء العرب الذي لم يبقَ أخضر في ليبيا الا تجديفاته، والعراق المحتل اليوم كأمثلة على الواقع».
ثم ألقى الدكتور جورج الزعني صاحب فكرة معرض موسى الصدر الرؤيوي كلمة.
كلمة قباني
والقى الشيخ بلطه كلمة المفتي قباني، قال فيها: ان الامام الصدر لم يكن الاول والاخير في هذه المسيرة، فبالأمس القريب افتقدنا الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي أطل علينا من باب التنمية الانسانية ففتح باب العلم وأنشأ مراكز التنمية الاجتماعية وأسعف المرضى، فلماذا كانت هذه النهاية المشؤومة له؟ انها اليد الآثمة التي تتطاول على مثل هؤلاء الأشخاص. فالاساءة الى الأمة بحرمانها من عناصر القوة والتقدم نعتبرها مؤامرة تستهدف هذه الأمة، كي تبقى أمة مستهلكة وسوقا تجارية ومكان نهب لثرواتها ولاستعمارها سياسيا واقتصاديا، وهذا ما يستدعي حالة مواجهة شاملة لما تعانيه هذه الامة لأن التشرذم هو مدخل الاستعمار الذي يورث النفس المحدودية والخصومات التي تريح عدو هذه الامة من عبء التآمر.
وختم متسائلا: لماذا نعود الى الوراء بينما العالم يتقدم في كل المجالات.
كلمة البطريرك صفير
وألقى المطران مطر كلمة البطريرك صفير، الذي اكد ان لا تنمية اذا خارجا عن الدين ولا سبيل الى تحقيقها اذا ما فقدت بعدها الديني لأنها تفقد اذ ذاك جوهرها الانساني برمته. على ان هذا البعد الايماني للتنمية يضمن لها ايضا بعدها الاجتماعي المطلوب ويؤسس لهذا البعد الثاني فكرا وعملا. لكن البعد الاجتماعي للتنمية يواجه اليوم مشكلات شديدة التعقيد نتيجة لما بات يسمى بحضارة الاستهلاك ولنوع من الاقتصاد مبني على التنعم الفردي بخيرات الارض وطاقاتها.
وقال: في كل هذه الجهود نعود ايضا الى روح الدين لإنقاذ الحضارات من العبث بعضها ببعض ولخلاص المجتمعات من التجاهل الذي تقع عرضة له في علاقاتها المتبادلة. فالناس لم يقبلوا جميعا دعوتهم الى ان يتعارفوا امما وقبائل كما انهم لم يقبلوا المشاركة بخيرات الارض الواحدة استعدادا للمشاركة بنعيم السماء التي هي واحدة ايضا. وهل من مناص في مثل تلك الحالات الشاذة من انتفاضة للمحرومين كما أطلقها سماحة الامام الصدر او من ثورة للمستضعفين كما أرادها الإمام الخميني من اجل ان يكون لكل شعب حقه الى مائدة التنمية البشرية الكبرى. لقد كانت للغرب ثوراته ايضا على المظالم ونزعاته المشهورة من اجل الانسانية المتصالحة والاخوة المتكاملة. افلا يعود الناس الى ربهم شرقا وغربا فينتقلوا من خضم الثورات الى فردوس التلاقي والحوار والمحبة التي باسمها جاؤوا جميعا الى الوجود.
الشيخ قبلان
والقى الشيخ قبلان كلمة، فقال : ان التنمية صعبة جدا، ومع وجود الانظمة الفاسدة لا يمكن ان تتحقق تنمية. فالذي بنى قصورا شاهقة في العراق لا يمكن ان يكون عنده تنمية، والذي يغيب الامام الصدر في ليبيا لا يعرف معنى التنمية، انما يعرف الوحشية والقبلية والهمجية.
واكد ضرورة استنهاض هذه الامة التي تواجه كما هائلا من التحديات من فلسطين الى لبنان وسوريا وايران والعراق. وطالب الشيخ قبلان بانشاء محكمة دولية لمحاكمة القذافي على تغييبه الامام الصدر ورفيقيه، هذا النظام المتسلط الظالم عدو الانسانية المناهض لاي فكر تنويري، وقال : لا استبعد ان يكون القذافي شريكا في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
خاتمي
واختتم خاتمي بكلمة قال فيها :« اليوم اذ نفتقد حضور الامام موسى الصدر وتواجده بين ظهرانينا، فإن فكره ومبتغاه يشكلان حافزا لكل لبناني ابي ويرفدان المقاومة اللبنانية البطلة ويسريان دفقا وعطاء في نفوس اولئك الذين ينشدون الرفعة للبنان العزيز، ويتصدون للمؤامرات التي تستهدف استقلال لبنان وكرامته. اننا لا نزال نترقب عودة هذا العزيز المغيب، ذلك اننا في امس الحاجة اليه في هذا الزمن الصعب».
اضاف : «الدين قديم قدم وجود الانسان وهذا بالذات يدل على انه فطري ومتجذر في الذات الانسانية، فالدين هو الذي اوجد الحضارات والثقافات وحتى في عصرنا الحالي فان الحضارة الجديدة وان نشأت منفصمة عن التراث، فهي مدينة للغاية للثقافة الدينية. فيا ترى من يسعه ان يغض الطرف عن تراث المسيحية الباهر في كل جانب من جوانب الحضارة الجديدة هذه، رغم ان من وضعوا لبنة هذه الحضارة ونظروا اليها يعتبرونها لا دينية ولا يقرون هم بنزعتهم الدينية. وربما كان الفارق الاساس بين العالم الحديث وما سبقه، هو ان الحضارات والثقافات الغابرة كانت برمتها دينية ولا تتنكر لطابعها الديني».
وتابع :«لقد واجه الدين في كل مكان وعبر كل الحقب، معارضين شرسين.
ولمحاربة الدين كالدين نفسه، ماض سحيق، لكن معاداة الدين في الماضي كانت تنطلق من موقف ديني، اذ كان دين ما يناهض دينا اخر، فيما كان المستهدفون من اتباع الدين ينبرون للدفاع عن دينهم، وفضلا عن الحروب الدينية التي شهدها التاريخ فان الفكر الانساني يدين في رقيه وتطوره اكثر ما يدين للنزاعات الفكرية الدينية».
وقال :«رغم ان الحضارة العربية قد ادارت نوعا ما ظهرها للغيب، الا ان تاريخ العصر الحديث لم ينأ تماما عن الصراعات والنزاعات المتأثرة بالحوافز الدينية، فبغض النظر عما واجهه المستعمرون ودعاة الهيمنة في المستعمرات والبلدان التي تعرضت لغزوهم من مقاومة مستمدة من منهل الايمان الديني للشعوب، فاننا لاحظنا مناطق عدة وفي فترات غير بعيدة من عهد الهيمنة الاستعمارية نزاعات دموية مدمرة جابه فيها كل من طرفي الصراع الطرف الاخر بدافع ديني. فلقد عانت الجزائر وطوال سنوات، من كابوس دام، تناحر فيه الاصوليون من ادعياء الدين من جهة والجيش والقوى السياسية والاقتصادية العلمانية من جهة اخرى، وبمقياس مصغر نلاحظ الظاهرة ذاتها في الشرق الاوسط وشمال افريقيا ومناطق عديدة اخرى، وحتى في تركيا التي جرت العادة على اعتبارها بيئة آمنة للتمثل بالغرب وللعلمنة.
لكن هذه الظاهرة لم تقتصر على العالم الاسلامي والدول غير الغربية، ففي الغرب كذلك خلق حق المعارضة الدينية المتاعب، وهو حق يرتبط اساسا بتخليص الايمان التقليدي من تجاوزات الديموقراطية العلمانية.
وقال :«ان البشرية بحاجة الى الدين، ورسالة الدين هي هداية الانسان، فالدين لم يحل ابدا بديلا للعقل البشري في تصريف شؤون الحياة، بل يؤكد على اهمية التدبر والتعقل وينشد الحرية والحكومة والعزة للانسان. والدين الحق يوجه الحياة التي ينبغي ان تسري في صميم هذه الطبيعة، لكنه يعد الانسان اعظم من الطبيعة بأسرها والطبيعة رهن تصرف الانسان. غير ان هذا التصرف يعني التناغم مع عالم يسبح على الدوام لله، ولا يعني العبث فيه والذي تعاني البشرية اليوم من مضاعفاته السيئة. والانسان اسمى من الطبيعة، لا من حيث تميزه بالعقل وحسب، بل بموهبة الحب التي حرم منها حتى الملائكة». وختم :«فالايمان الذي اقصده هو ذلك الايمان الذي من شأنه ان يحرر الانسان من رهبة الارتماء في خضم الوجود اللامتناهي ويزيل عنه آفة الحزن والهلع الفتاكة، انه الايمان الذي يصل مدينة الله التي دعا اليها القديس اوغسطينس بمدينة العالم الحديث، ليتقاسم اهاليهما سلطة الشعب والمعنوية والعدالة والنعيم. ولكي يتحرر عصرنا فهو بحاجة الى الدين، الى دين يؤمن فضلا عن الله، بالعدالة والحرية وحقوق الانسان، ويكفر بالفقر والجهل والحرب والارهاب واذلال الانسان».