خاتمي: الدين ينشد الحرية والحكمة والعزة للانسان صفير: التلاقي والحوار والمحبة آية في الانسانية

calendar icon 02 كانون الأول 2005 الكاتب: رنا عواضة

رأى الرئيس الايراني السابق السيد محمد خاتمي «ان العنف وانعدام الامن والتذمر لم يكن في أية حقبة من التاريخ مكشوفاً ورهيباً مثلما هو عليه الآن»، معتبراً أنه «عندما يغيب الله عن البال والحسبان يزول الحب وتتلاشى العدالة».

ولفت الرئيس خاتمي في كلمة خلال افتتاح مؤتمر «كلمة سواء» العاشر في قصر الأونيسكو امس تحت عنوان «التنمية الانسانية: ابعادها الدينية والاجتماعية والمعرفية» الذي ينظّمه مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات الى انه «للخلاص من هذه المحنة ليس للبشرية سوى العودة الى الله واذكاء نور الايمان في القلوب وفي صميم المجتمعات، لكن هذا لا يعني الدعوة للعودة الى الماضي واحياء الاساليب والنظم اللاانسانية تحت ستار الدين، مشيراً الى ان «آخر اهم اسباب ازورار الانسان المتحضّر عن الدين يكمن في الانحرافات والتجنّيات المفروضة قسراً على البشرية باسم الدين».

ورأى الرئيس خاتمي ان العلمانية الخاصة بتاريخ العرب هي نتاج طبيعي وحصيلة أفرزها التشاؤم وسوء التصرّف الجامح الذي تم باسم الدين في حقبة ما قبل الحداثة.

وتابع: «عندما أتحدث هنا عن الدين لا يتواءم حديثي اطلاقاً مع اولئك الرجعيين من ذوي العقلية المنحرفة ممن يحصرون الدين في الظواهر، وهو ما يعود في جانب اساسي منه الى الانطباعات الخاطئة عن الدين او العادات الموروثة من الماضي والتي تطبّعت بطابع القدسية والخلود. فلا اعني بالدين السلوكيات القاسية واللاحضارية التي تعارض متشدّقة بالدين كل ما هو حديث ورائد، وتعتبر القتل والارهاب جهاداً واطفاء جذوة العقل ايماناً وحرمان المرأة من كافة حقوقها تقوى والتصدّي للعلم والتطوّر زهداً».

وقال: «ان البشرية بحاجة الى الدين، ورسالة الدين هي هداية الانسان، فالدين لم يحل ابداً بديلاً للعقل البشري في تصريف شؤون الحياة، بل يؤكد على اهمية التدبّر والتعقّل وينشد الحرية والحكمة والعزة للانسان. والدين الحق يوجّه الحياة التي ينبغي ان تسري في صميم هذه الطبيعة، لكنه يعد الانسان أعظم من الطبيعة بأسرها والطبيعة رهن تصرّف الانسان. غير ان هذا التصرّف يعني التناغم مع عالم يسبّح على الدوام لله، ولا يعني العبث فيه والذي تعاني البشرية اليوم من مضاعفاته السيئة. والانسان اسمى من الطبيعة، لا من حيث تميّزه بالعقل وحسب، بل بموهبة الحب التي حُرم منها حتى الملائكة».

وختم: «فالإنسان الذي اقصده هو ذلك الايمان الذي من شأنه أن يحرّر الانسان من رهبة الارتماء في خضم الوجود اللامتناهي ويزيل عنه آفة الحزن والهلع الفتّاكة، انه الايمان الذي يصل مدينة الله التي دعا اليها القديس اوغسطينس بمدينة العالم الحديث، ليتقاسم اهالهيما سلطة الشعب والمعنوية والعدالة والنعيم. ولكي يتحرّر عصرنا فهو بحاجة الى الدين، الى دين يؤمن فضلاً عن الله، بالعدالة والحرية وحقوق الانسان، ويكفر بالفقر والجهل والحرب والارهاب واذلال الانسان».

الصدر

ثم تحدث في المؤتمر رئيس مركز الامام الصدر السيد صدر الدين الصدر فرأى «ان دور لبنان - الرسالة هو ضرورة قصوى للعالم، كما أن دوره وموقعه السياسي في محيطه رسالة حضارية أيضاً لأن الامام الصدر كان يعتبر ان هذا الدور لا يتم الا بالعدالة الاجتماعية والعروبة الحضارية والحرية والمساواة. فالانسان يبقى هو الهدف والمحور في اي مشروع ورؤية تنموية. لذلك، بدأ الامام الصدر عمله في بناء الانسان مع رحلة المحاضرات والمؤتمرات والمؤسسات التي استنهضت الانسان على العمل كخطوة اولى في تنمية الانسان لجعله يشعر بكرامته وشؤون نفسه».

الزعني

ثم ألقى الدكتور جورج الزعني صاحب فكرة معرض موسى الصدر الرؤيوي كلمة، اشار فيها الى محطات كثيرة في مسيرة الامام الصدر، «وهي محطات انسانية وحضارية فكراً وواقعاً، قولاً لا فعلاً، تشمل اطياف الحياة كافة اساسها حب الله وحب الوطن لبنان». وقال: «لقد جسّد الامام الصدر ارقى وأسمى حلم يصبو اليه كل وطني حرّ»، داعياً الجميع الى «استذكار ما حثّ عليه الامام الصدر من ضرورة حمل هموم الوطن والمواطن والمحرومين والابتعاد عن الطائفية والمصالح الفئوية».

قبّاني

وألقى الشيخ محمد دالي بلطه كلمة المفتي محمد رشيد قباني، قال فيها: ان الامام السيد موسى الصدر ناضل من خلال الموقع الذي يسّره الله له، فلم يكن هدفه الا التنمية الانسانية نحو المستقبل الافضل، ولكن وبكل أسف أين هذا الفكر المتنوّر الذي تجسّد في حضوره لتمتد اليد الآثمة لاسكاته. انها أزمة الوجه الآخر للانسان، فهل هذا هو قدر العظماء، حتى تتقد جذوتهم اكثر فأكثر».

وتابع: «ان الامام الصدر لم يكن الاول والاخير في هذه المسيرة، فبالأمس القريب افتقدنا الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي أطلّ علينا من باب التنمية الانسانية، ففتح باب العلم وأنشأ مراكز التنمية الاجتماعية وأسعف المرضى، فلماذا كانت هذه النهاية المشؤومة له؟ انها اليد الآثمة التي تتطاول على مثل هؤلاء الاشخاص. ودعا الى حال مواجهة شاملة لما تعانيه هذه الأمة لأن التشرذم هو مدخل الاستعمار الذي يورث النفس المحدودية والخصومات التي تريح عدو هذه الامة من عبء التآمر». وختم متسائلاً: «لماذا نعود الى الوراء بينما العالم يتقدّم في كل المجالات».

صفير

وألقى المطران بولس مطر كلمة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير، معتبراً أن العلاقة القائمة بين الحرية والتنمية شبيهة بما يُعرف عن وشائج بين الروح والجسد في الكيان الانساني أو المجتمع الواحد وأن التلاقي والحوار والمحبّة يشكّلون قمة التنمية وآية في الانسانية.

وأكد «ان لا تنمية خارجاً عن الدين ولا سبيل الى تحقيقها اذا ما فقدت بُعدها الديني لأنها تفقد اذ ذاك جوهرها الانساني برمّته. على ان هذا البعد الايماني للتنمية يضمن لها ايضاً بُعدها الاجتماعي المطلوب ويؤسّس لهذا البُعد الثاني فكراً وعملاً. لكن البُعد الاجتماعي للتنمية، يواجه اليوم مشكلات شديدة التعقيد نتيجة لما بات يُسمّى بحضارة الاستهلاك ولنوع من الاقتصاد مبني على التنّعم الفردي بخيرات الأرض وطاقاتها. فأنت إذا ما رحت تستهلك الأشياء استهلاكاً لن تسأل عن قدرة غيرك ولا عن طول يده الى ما تطال يداك. ولعلّ قدرة غيرك في هذا السبيل تهدّد مصالحك في التنعّم بالكون والتصرّف به على هواك. فحضارة الاستهلاك تُبنى على فردية شرسة وهي نقيض للعيش المجتمعي السليم، حيث الشراكة في الرزق وفي الحب وفي العطاء. وان لغطاً كبيراً يحصل اليوم بين الحرية وكرامة الانسان وحقوقه من جهة وبين الفردية في حياته والتفرّد في معاطاته من جهة اخرى. فالإنسان الحرّ هو في الوقت عينه انسان مجتمعي والاجتماع هو عنصر من عناصر تكوينه كما اللغة والتعاطي والحاجة الى الآخر عطفاً وتعاطفاً. وهذا ما يدعنا نقابل في مجال التنمية تلك النزعة الاستهلاكية للاقتصاد بتوجّه معاكس تضامني سواء على مستوى الجماعات المحلية أم على مستوى الأمم والشعوب. فتسود في الأرض بهذا المنحى روح من الاخوة تحوّل سكانها الى نعيم وتمكنها من التفلّت من براثن التنازع المميت».

قبلان

ثم تحدث نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان فرأى «ان التنمية صعبة جداً، ومع وجود الانظمة الفاسدة لا يمكن أن تتحقّق تنمية وقال: الذي بنى قصوراً شاهقة في العراق لا يمكن ان يكون عنده تنمية، والذي يغيب الامام الصدر في ليبيا لا يعرف معنى التنمية، انما يعرف الوحشية والقبلية والهمجية».

وقال: «لقد جاء الصدر ونفض الغبار ووحّد الصفوف وعمل على بناء المؤسسات، لذلك أتعبنا الامام في حياته وأهلكنا بعد غيابه، لأنه كان شعلة ونورا وكان عملاً مستمراً وانساناً صاحب طاقة جبّارة».

ودعا الى «التركيز على التنمية الانسانية ولاعطائها الاهتمام اللازم لتكون انطلاقتها علمية وافساح المجال امام المرموقين والباحثين لأخذ مواقعهم». وقال: «نطمح ان يتحوّل شبابنا من ناقل للمعرفة الى صانع لها ومن مستورد الى مبدع»، معرباً عن قلقه ازاء هذا الواقع الذي تفضحه الارقام التي تتحدث عن نسب عالية من الامية. وأكد «ضرورة استنهاض هذه الامة التي تواجه كمّاً هائلاً من التحدّيات من فلسطين الى لبنان وسورية وايران والعراق».

وطالب الشيخ قبلان بـ«انشاء محكمة دولية لمحاكمة القذّافي على تغييبه الامام الصدر ورفيقيه، هذا النظام المتسلّط الظالم عدو الانسانية المناهض لأي فكر تنويري»، وقال: «لا أستبعد ان يكون القذافي شريكاً في اغتيال الرئيس رفيق الحريري».

اشارة الى ان جلسات المؤتمر ستبدأ التاسعة والنصف من قبل ظهر اليوم في الاونيسكو وتستمر غداً.

وحضر الافتتاح وزير الطاقة والمياه محمد فنيش ممثلاً رئيس الجمهورية اميل لحود، النائب ايوب حميد ممثلاً رئيس المجلس النيابي نبيه برّي الذي وصل قبل انتهاء جلسة الافتتاح، وزير الخارجية فوزي صلوخ ممثلاً رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، الرئيس حسين الحسيني، الرئيس رشيد الصلح، سفير ايران في لبنان مسعود الادريسي، الشيخ نعيم قاسم ممثلاً الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، ممثل العلامة السيد محمد حسين فضل الله، وعدد من الوزراء والنواب وأعضاء من السلك الديبلوماسي وشخصيات.

مأدبة برّي

أولم رئيس مجلس النواب نبيه بري امس للرئيس الايراني السابق محمد خاتمي، في حضور مفتي الجمهورية الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني، نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الامير قبلان، وزير الخارجية والمغتربين فوزي صلّوخ، وزير التربية خالد قباني، وزير الصحة العامة الدكتور محمد خليفة، وزير الزراعة طلال الساحلي، وزير الطاقة والمياه محمد فنيش ووزير العمل الدكتور طراد حمادة، سفير ايران مسعود الادريسي، رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد وحشد من النواب، المطران بولس مطر، المطران يوسف كلاس، متروبوليت بيروت لطائفة الروم الارثوذكس المطران الياس عودة، ونجلي الامام الصدر السيدين صدر الدين وحميد الصدر.

source