* مؤتمر “كلمة سواء” العاشر "التنمية الانسانية ابعادها الدينية والاجتماعية والمعرفية"
أصحاب المعالي والسعادة،
أيها الأصدقاء،
هذه التقارير الأربعة شكلت صرخة للحوار ومبادرة جادة لانفتاح متبادل بين صانعي الرأي وصانعي القرار، بمعنى آخر، هذه التقارير بما انطوت عليه من معلومات واقتراحات أثبتت كونها بمجملها محاولة جريئة في تجسير آليات الدولة مع مؤسسات المجتمع المدني. يستنبع هذا التحديد لدور هذه التقارير إخراج المعادلة السائدة في الأقطار العربية من حالات الاغتراب بين معظم ممارسات الحكم ومخزون الفكر الذي يكون الرأي العام، وإلى حد كبير يساهم في توجيهه، أي بين ممارسي السلطة الفعلية وبين المتمتعين بالنفوذ المعنوي الذين ينيرون طريق الانعتاق من الغبن والشعور بالاحباط وحالة التهميش لمعظم المواطنين.
إضافة إلى ذلك فإن المنبر تتيحه سوا بمناسبة الذكرة العاشرة لها يشكل مناسبة لاستحضار حضور فكري مبدع للمغيب سماحة الإمام موسى الصدر عندما استبق معظم مضامين تقارير التنمية الإنسانية العربية عندما دعى أن يكون للمحرومين إطار ينمي وعيهم وقيادة تحدد خطوات مسيرتهم. كان الفكر الذي سلط الأضواء على المحرومين إسهاماً مميزاً في التحريض على أولوية التنمية الإنسانية في الوطن العربي. إلى حد كبير كانت التوعية على وجود حرمان في لبنان - وسائد في معظم الأقطار العربية – حافزاً رئيسياً لفريق تقارير التنمية الإنسانية العربية أن يعالج أسباب الحرمان ويسعى لمعالجته وكانت التقارير الأربعة الذي كان للمكتب الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الفضل الأكبر في إيجاد التسهيلات للدراسات التي قام بها أكثر من مائتي باحث وخبير وناشط بقيادة فريدة للدكتورة ريما خلف هنيدي الأمين العام المساعد للأمم المتحدة، المدير الإقليمي لمكتب الدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وإذا كانت التنمية هي السلاح الأمضى في إزالة الحرمان، فمن الطبيعي أن يجيئ احتفال سوا اليوم التركيز على أولوية التنمية لا في لبنان فحسب بل في كل أرجاء الوطن العربي.
ولا أخفي بأن الفريق الذي شارك في وضع هذا العمل جاء من مختلف الأقطار العربية والقطاعات إلى جانب كونهم ينتمون إلى عديد من التيارات الفكرية والأطياف العقائدية والملتزمة بنفس الوقت بضرورة إخراج الأمة العربية من حالتها الراهنة والتي سوف تتفاقم معضلاتها إذا لم نسارع – حكومات ومجتمعات – إلى تفعيل العديد من التوصيلت الواردة في هذه المبادرة الفريدة والتقارير الجريئة. أقول أن نسارع حتى لا يؤدي عدم التنبه إلى جدية المشاكل لاستعصاء الحلول على كل من الحكومات والمجتعات وذلك لإخراج الأمة من مصيدة خانقة. هذه المصيدة حتماً ستؤدي إلى تيئيس الأجيال القادمة وتوليد مخاطر على حاضر الأمة ومستقبلها إذ تجد فيها الأجيال القادمة نفسها بلا إطار يلتقف حيويتها ولا مرجعية موثوقة توجه مسيرة نضالاتها وبالتلي توفير حقوقها وتأمين ظلاميات متعددة الهويات بحثاً عن ما يخدر الذات وإن كانت خطيئة.
لقد حاول الفريق أن ينفذ إلى جذور أسباب تخلف مسيرة التنمية ودراستها بموضوعية فائقة. وأدرك أن كون الحقائق هي العناصر المكونة لإيجاد الحلول، فإن انتهاج الصرامة في نقد الذات يحول حتماً من هدم الذات هذا إذا ما استمرت تداعيات الأوضاع الراهنة تمعن في استمرار استنزاف القدرة الكامنة للتغيير وإنجاز الخطوات المطلوبة بإلحاح لتعزيز فرص التنمية الشاملة المطلوبة. وتجيئ التقارير متضمنة مقترحات ممكِنة وممَكّنة، لا خطوات مستحيلة، وبالتالي تعجيزية. وما تواخاه واضعي هذه التقارير هو أن يكون خطاب التنمية مخترقاً لا استفزازياً، يسلم بالواقع ولا يستسلم له، رافضاً تعريف الواقعية كونها رديفاً لديمومة الأوضاع السيئة. ولذا، فإن الاختراق الذي يسعى واضعي التقارير إليه هو إزالة الحواجز أمام ديناميكية التنمية والضبابية الكثيفة الحائلة دون بلورة رؤية متكلملة لاستقامة سياسات التنمية على الصعيد القومي العام.
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدة الرئيس النائب بهية الحريري
أيها الأصدقاء،
هذه برهة من الزمن تبعث على الغبطة في وسط إحباط عام للاحتفال بدراسة كيفية جعل التنمية النقيض الواضح للحرمان. هذا تحد تحد يتطلب جهد يكرس حقائق ويكشف أوضاعاً ويؤكد منطلقات وأهداف. فلم يغب عنه جوهر الترابط بين التنمية والمشروع القومي وبيان أن أحدهما يرفد الآخر وانهما سويا في تلاحمهما أعظم إثماراً. فما يسعى إليه العرب بالفطرة لتكامل بلدانهم تستوجبه متطلبات العولمة التي تسارع خطى اندماج العالم بعضه في بعض، بينما نرى بلداناً لا يجمعها ما يجمع العرب ويفرقها ما لا يفرق العرب، تبذل كل طاقاتها وتعمل كل ما في وسعها لأن تكون كياناً واحدا" تظلله قوانين موحدة وتكاد أن تتحول إلى هوية موحدة. فقد تجاوزت هذه البلدان سجن التعلق بتعريفات ضيقة ومتقوقعة للسيادة لأنها وعت أن جزءاً من ممارساتها للسيادة أن تضع بعضاً منها في نطاق السيادة الجماعية، حرصاً على مناعتها وتعزيزاً لمصالحها وتأميناً – أجل تأميناً لسيادتها الواعية.
في هذه المرحلة التي نعيشها، تطغى مسيرة العولمة على جوانب الحياة بشتى أشكالها، وإن كان للعولمة من إيجابيات وسلبيات فلنا أن نستفيد منها ما استطعنا، غير أن العولمة يجب أن لا تطغى على حقيقة "العالمية" التي هي الحركة الإيجابة لمسار البشر. فالكل يسعى إلى أن يكون جزءاً من العالمية... أو الانتماء الإيجابي لأسرة دولية للفرد/الدولة له فيها حقوق والتزامات. فإن كانت للعولمة من ثمار فإن "العالمية" هي البيئة وعناصر الحياة لهذه الثمار على حلاوتها أو مرارتها، فإن صلحت العالمية صلحت العولمة. هنا يجب أن تتنبه الأمة العربية إلى أن تغييب دورها في "العالمية" هو في الواقع تغليب لثمر العولمة المر وتمرير لما لا تقبله من مفروض سياسي واجتماعي بل وحتى تراثي. والتقارير لا تغفل هذا الجانب، فتوليه الأهمية القصوى في هذه الدعوة للتكامل والتعاون العربيين ضمن ميزان دقيق من الكينونة العالمية للوطن العربي، تضمن له ثماراً جنية من العولمة والتقدم.
وبنفس النسق بين التفكير في الثنائيات، فإن نموا اقتصاديا قد يرفع من مستوى معيشة مادي ولكنه يقف عاجزاً عن تحقيق تنمية إنسانية متكاملة تضمن للفرد العربي ومجتمعه الأشمل معيشة كريمة آمنة واعدة. والإطار الأشمل ينبغي أن يكون في وعي واضح بتحقيق تنمية شاملة تؤدي لنمو فردي ومجتمعي متوازيان متممان الواحد للآخر، فلا وجود لغني آمن في جوار فقير متأخر، فكلاهما يحمل ضده وكلاهما على سبيل التضاد والتنافر وهو ما يميز وللأسف الشديد كثيراً من واقع مجتمعاتنا العربية في هذا الوقت.
وتأتي ثنائية الإلمام والمعرفة لتؤكد أن مجتمعنا ملماً بمجريات الأمور ... عبر إعلام متعولم ... لم ولن يكف لتحرير هذا المجتمع من كلفة انتشار الجهل المتوطن والذي ينافي ويؤخر من تقدم المجتمع في تخصص أو علم أو إلى مكانة متميزة. وإن كان الإلمام بداية جيدة، فإن المعرفة المتعمقة نهاية وغاية محبي درب العلم والتعليم. إن ما يدفع الدول المتقدمة إلى المزيد من التقدم والتطور، لهو ولع منتظم ومقنن لعملية المعرفة التي تزرع منذ السنين الأولى، لتصبح عادة حميدة وتتحول إلى مادة منتجة ومتطورة لنسيج المجتمع ومقدراته.
إن أكثر أساليب التنشئة انتشاراً في الأسرة العربية هي أساليب التسلط والحماية الزائدة مما يؤثر سلباً على نمو الاستقلال بالنفس عند الطفل. وفي مجال التعليم وبالرغم من التوسع الكمي في البلدان العربية، إلا أن تردي النوعية يبقى من أخطر مشكلات التعليم في العالم العربي. أما الإعلام العربي فما يزال دون المستوى العالمي إذ ينخفض عدد الصحف في البلدان العربية إلى أقل من 53 لكل 1000 شخص مقارنة مع 285 صحيفة لكل 1000 شخص في الدول المتقدمة. تقنياً يبقى أيضاً العالم العربي متأخراً مقارنة مع المستوى العالمي إذ ينخفض عدد أجهزة الحاسوب إلى أقل من 18 لكل 1000 شخص مقارنة مع المتوسط العالمي وهو 78.3 أجهزة حاسوب لكل 1000 شخص، مما يقتصر عدد مستخدمي الانترنت على 1.5% فقط من سكان الوطن العربي ككل.
يقدم التقرير في الجزء الأخير رؤية استراتيجية لإقامة مجتمع المعرفة في البلدان العربية تشتمل على إطلاق حريات الرأي والتعبير من خلال إنهاء الرقابة وسطوة أجهزة الأمن على انتاج المعرفة ونشرها، وإصلاح التعليم وترقية جودته في جميع مراحله. هذا بالإضافة لبناء قدرة ذاتية على البحث والتطوير التقاني، وتنمويع البنى الاقتصادية والأسواق. كما يقترح التقرير تأسيس نموذج معرفي عربي أهم أركانه النهوض باللغة العربية، والعودة إلى صحيح الدين وحفز الإجتهاد، وإثراء التنوع الثقافي في داخل الأمة مع الانفتاح على الثقافات الإنسانية الأخرى.
هذا وتطرق التقرير الثالث إلى النقص في الحرية والحكم الصالح في العالم العربي متصدياً لقضية الحرية ما بين الاستبداد في الداخل والاستباحة من الخارج. وقد سلط الضوء على مناخ إقليمي ودولي معوق لمبادرات الاصلاح النابعة من داخل الوطن العربي، حيث تعرض التقرير إلى استمرار الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ولاحتلال الولايات المتحدة للعراق وتصاعد الارهاب. لكن التقرير يشير إاى أنه حتى لو وضعنا عائق القهر الخارجي جانباً، فإن الحريات في جميع البلدان العربية تبقى مستهدفة من سلطة الأنظمة غير الديمقراطية وسلطة التقليد والقبيلة المستترة بالدين أحياناً.
أيها الأصدقاء،
ثم كيف لنا أن نتقدم ونصف مجتمعاتنا أو يزيد هو ضمن دائرة التهميش والتجاهل، فالمرأة العربية، وإحداهن قادت هذا العمل بكل ذكاء وتوقد وإيجابية، لا يجب أن تقف هذا الموقف أبداً. فلها حقوق واجبة غير قابلة للتصرف، يجب أن تقنن وأن تدرك قبل كل شيئ من المرأة نفسها لكي تدافع هي بكل ضراوة عنها، وبكل وعي بما لها وعلينا. إن تنازل (وأضع كلمة تنازل بين قوسين) الرجل عن حق (وهي أيضاً بين قوسين) هو تنازل من لا يملك لما لا يملك، فالتنازل حق مكتسب ومرتجع في يوم ما، وهو ما يجب أن لا يكون. فللمرأة حق أصيل لا يملكه الرجل لكي يتنازل عنه، وعلى المجتمعات العربية، مؤسسات وأفراد، أن تعمل بكل إخلاص على أن توصل هذه الحقوق لأصحابها ... لصاحباتها النساء العربيات اللواتي لولا تغييبهن، لربما كانت أوضاعنا أفضل مما نرى الآن ونتألم.
إن منهج التعامل مع التحديات القوية والشرسة، تستوجب تأكيد الثوابت وجعلها مؤهلة للتكيف مع المتغيرات، شريطة أن لا تصبح المتغيرات بالوعة الثوابت.
أيها الأصدقاء، إن الأمة العربية بحاجة ألى إسعاف فوري من حالة الإغماء القومي الذي يصيبها ويكاد يشل بوصلتها. وعماد الانعاش الفوري للأمة هو في اعتمادها على طرفي معادلة أجادتها حتى دول كانت خلفنا، فأصبحت أمامنا، وهذين الطرفين هما تجلي الديمقراطية والحس الفردي والمجتمعي بالمشاركة والمساءلة من ناحية، وتجلي الشعور والممارسة الحقيقية لحقوق الانسان العربي من ناحية أخرى، بدءاً من حقه أن لا يخاف يوماً يجوع فيه، وصولاً إلى أمنه وأمانة القوميين، ضمن حدود أمة تخشى عليه وعلى مستقبله فتبذل الجهد لتوفير حياة كريمة له، آمنة، طويلة ومطمئنة.
وإذ تتزامن هذه التقارير الوثيقة أو لنقل بذرة المشروع النهضوي في وقت يحاول الغرب (وخاصة الولايات المتحدة) إملاء مشاريع إصلاحية، كأن هناك غربة بين الاصلاح والعرب وكأن ليس هناك إرث عربي يملي العمل الاصلاحي في تاريخنا القديم والمعاصر، وقد يكون الاصلاحيون لم ينجحوا باستمرار ... نعترف بذلك، ولكن أن تأتي الدعوة للإصلاح كشرط لممارسة حق السيادة والاستقلال لهو امتهان للذاكرة الوطنية وتهميش للموروث الغني من حركات الاصلاح في تاريخنا وواقعنا. ولذلك، فإن هذا الإملاء يوحي بأن استمرار الاحتلال يتسم بصيغة شرعية وأنه الحافز للاصلاح. إلا أن حق السيادة هو في الواقع الممهد والمؤسسس للإصلاح الوطني الحقيقي الذي يمارسه الشعب.
إذ تجيئ هذه الدعاوى بعدما نصر أن 11 سبتمبر/أيلول هي عملية مدانة ادت إلى مأساة واختلال في توازن القوى والعلاقات الدولية. أيكون علينا أن نقبل ذلك دون أن نذكر وباستمرار أن أياماً مثل اليوم هو سمة أيام العرب الحالية، خاصة في فلسطين والعراق، فكل يوم من أيام الفلسطينيين والعراقيين كأنه 11 أيلول مكرر ورغم ذلك، فإن الضمير العالمي يذكر ذلك على استيحاء وخجل، ورغم ذلك، فإن إرادة القهر وليّ الذراع تبقى هي السائدة.
وعليه، فإن إشارة التقرير بما ينص على أن الاحتلال الاسرائيلي يعرقل ويؤخر التنمية الانسانية العربية لم يكن مبالغاً فيه، وكذلك الأمر فيما يتعلق بتداعيات الحرب والاحتلال في العراق، ويجب أن يكون حافزاً لمزيد من التنمية الانسانية العربية لكي نردع هذا العدوان ونوقفه عن "روتنة" الاستباحة للشعب الفلسطيني والعراقي، والتصدي لذلك الأمر إنما هو مسؤولية عربية مباشرة والتزام قومي بديهي. هذا يستدعي ترحيباً بمبادرة الجامعة العربية من أجل إيجاد صيغة توافق بين مكونات الشعب العراقي في الأسبوع الماضي كما أن على الجامعة العربية أن تقوم بمجهود مماثل في توحيد السياسات العربية في فلسطين ودارفور وفي بناء الدولة في الصومال.
وإن كانت الأمم المتحدة ممثلة ببرنامجها الانمائي قد حددت نطاق عملها التنموي في إطار عربي، سمي بأدبياتها بالمنطقة العربية، وهي خطوة لا يمكن أن تكون مستساغة، فعلى العرب أنفسهم أن يتعاملوا مع هذه المقترحات من موقعهم كأمة وهذا باب أولي، ونحن رأينا كيف أننا لم نتخذ المزيد من خطوات التنسيق والتكامل ناهيك عن التوحد، ليس فقط من جانب الحرص على وحدة المصالح، ولكن والأهم من ذلك باب الحرص على وحدة المصير التي تنطوي على وحدة المصلحة.
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدة الرئيس النائب بهية الحريري
أيها الأصدقاء،
لم تتكمن الأمم المتحدة أن توفر للمجتمع الدولي توافقاً يحدد بدقة الفرق الأساسي بين المقاومة والارهاب. إلا أن غياب تعريف مفصل وبالتالي ملزم للارهاب لا يعني أنه لا يوجد فهم عام لمعنى الارهاب ولما ينطوي عليه التعريف السائد للارهاب والذي يكاد أن يجمع عليه الأكثرية الساحقة في معظم إن لم يكن جميع شرائح البشرية. إلا أن الالتباس الذي حصل وإلى حد ما لا يزال حاصل هو أن سلطات الاحتلال والتيارات العنصرية والشمولية حاولت دوما أن تصف كل مقامة لتسلطها وسياسات القمع والقهر التي مارستها وكأنها عمليات إرهابية. لكن ما فتئت حركات الاستقلال تحقق أهدافها نتيجة مقاوماتها المشروعة حتى أصبح إزالة الالتباس ممكنا ومطلوبا رغم أن اسرائيل وعلى وجه الخصوص تعمل على إعادة ترسيخ الالتباس والتلاعب اللفظي الناشئ عنه.
ساهمت أحداث 11 أيلول 2001 عندم قامت العمليات الارهابية على كل من نيويورك وواشطن أن تعيد الالتباس إلى نمط طاغ وفرض ثنائية خطيرة بين محاربة الارهاب وكل من يعارض أو يعترض أو يتمرد أو يقاوم. فالكل صار بخانة الارهاب وصار فقط من يرضى بالتبعية لإملاءات الولايات المتحدة هم الحلفاء المعتمدين للمشاركة في الحرب على الارهاب. في سبيل المثال تمكنت اسرائيل أن تطرح ممارساتها في فلسطين المحتلة وكأنها بمثابة "الحليف" الأصغر للولايات المتحدة في حربها على الإرهاب. فكادت المقاومة الفلسطينية المشروعة تتوضع في خانة الارهاب لولا وعي الرأي العام العالمي – وإلى حد أقل الأميركي – بأن هذا الدمج مناقض للحقيقة وللوقائع الحاصلة.
المهم إذا هو التأكيد على الفروقات الجوهرية بين الإرهاب والمقاومة لذا نلخصها بما يلي: الإرهاب – وبالتالي الإرهابيون – تستند إلى ثقافة الموت فهي وسيلة وغاية بنفس الوقت بينها المقاومة تنبثق من ثقافة الحياة من خلال التحرير. في الإرهاب الغاية تبرر الوسيلة، المقاومة الوسيلة جزء مكون للغاية. المقاومة بدورها تعتبر اللجوء إلى العنف خيار أخير بعد استحضار كافة وسائل الخيارات الاعلامية والدبلوماسية والمظاهرات والعصيان المدني حتى إذا استنفدت كل هذه الوسائل يكون اللجوء إلى خيار العنف هو الخيار الأخير.
أما لجوء السلطات أو جيوش الاحتلال إلى دمج المقاومة بالإرهاب وإطفاء سمة "التمرد" على ناتج هذا الدمج فمن شأنه باللاوعي أن يجعل الحرب على الإرهاب رديفا لممارسات بدورها تمثلت بالإجراءات الإجرامية والممارسات المشينة التي حصلت ولا تزال في معظم سجون العراق وإسرائيل والتي تبدو وكأن ثنائية الإرهاب والحرب عليها تؤول إلى إجهاض فرص التنمية وبالتالي تمعن في نشر الخوف وسياسات التخويف وتجهض احتمالات الحرية والحكم الصالح وتهمش التركيز المطلوب بإلحاح على تمكين المرأة في الدول النامية وعلى الأخص في البلدان العربية.
إن الحاجة إلى التفريق بين شرعية المقاومة وانعدام شرعية الارهاب بدت واضحة وضرورية لفريق التنمية الانسانية العربية منذ بداية الإعداد لهذه التقارير الأربعة التي عالجت مواقع النقص في الحالة العربية – نقص المعرفة، الحرية، وتمكين المرأة – فأدرك الفريق منذ بداية التقارير أن الدمج الذي تتعمده كل من إسرائيل في فلسطين والولايات المتحدة (وبريطانيا) في العراق، كما أدركنا أن أحداث 11 أيلول أفسحت المجال للقوى المتربصة للعرب أرادت أن تجعل من الارهاب على واشطن ونيويورك مدخلاً لمزيد من العداء لحقوق العرب عموماً ولصورة الإسلام على وجه الخصوص. من هنا كانت الحاجة ملحة أن نجيب بوضوح على السؤال الذي طرح في أعقاب 11 أيلول "لماذا يكرهنا العرب والمسلمون؟" وكان الجواب ان العرب والمسلمون لا يكرهون فالكره هو تقطيع للحوار وتعبير كما أشرنا إلى ثقافة الموت، لذلك فالعرب والمسلمون غاضبون والغضب هو استدراج للحوار للمناكفة وللتفاوض ولمحاولات الاقناع والاستعداد للاقتناع. لذا أدركنا أهمية التفريق بين المقاومة والارهاب لأن الدمج الذي أراده العنصريون والمحتلون يعرقل إلى حد كبير إمكانية وفرص سياسات التنمية الانسانية المنشودة.
وحيث أن التنمية الشاملة تسهم بمقدار كبير في تجفيف مصادر الارهاب من خلال خطة تنموية كاملة، كذلك الأمر فإن التنمية الانسانية تعزز فرص القضاء على الحرمان. من هنا أهمية هذه المناسبة برجاء الاستمرار في التزامكم باستدامة التنمية والقضاء في أسرع وقت على الفقر والحرمان في سائر أوطان الأمة العربية والسلام عليكم.