خطاب الثورة والسلاح

calendar icon 02 شباط 1974 الكاتب:موسى الصدر

اختار الإمام أن يخطب بمناسبة الأيام العاشورائية من سنة 1974 في بلدة ياطر (قضاء بنت جبيل)، على بعد أميال من الحدود، وذلك لكي يجعل "فصلًا جديدًا في تاريخ المآتم الحسينية فنحوّلها إلى دوافع للوقوف القويّ الثابت بجانب حقّنا مهما بلغت التضحيات". والنصّ الآتي هو ترجمة لهذه الفكرة الحسينية استقيناه من مصادر مختلفة، نضعه بين أيديكم:

* خطبة بمناسبة عاشوراء، حسينية ياطر (قضاء بنت جبيل)، 2 شباط 1974، نشرتها جريدة النهار في 3 شباط 1974، جريدة الحياة في 3 شباط 1974، جريدة المحرر في 3 شباط 1974.
إن الحسين قد سطَّر وقائع يوم عاشوراء بدمه، وأوضح معالم المعركة وأهدافها ونتائجها بوضوح، وكشف القناع عن وجه خصومه وشراستهم ورُخْص أهدافهم. وبذلك مهَّد السبيل لتصاعد الثورات التي أدت إلى سقوط بني أمية.
لو اكتفينا بالممارسة التقليدية وما استفدنا منها في سبيل محاربة الباطل ونصرة الحق لجمّدنا الذكرى، وهذا تقصير ودفن لأهداف الحسين. وعلينا أن نقتبس من هذا السراج الذي يضيء مُكْتَسبًا زيته من دم الحسين، فنقف مع الحق ونحارب الباطل في كلّ أشكاله وأحجامه.
إن لبنان بلد أُقيم على أساس التعايش المتكافئ بين الطوائف وهو بلد الحريات وكرامة الإنسان، فالذين يريدون أن يستأثروا أو يهضموا حقوق الآخرين أو يتجاهلوا المطالبات الحقّة، إنما هم يحاولون تقويض كيان لبنان، حتى ولو كانوا في صفوف المسؤولين.
أما نحن فبمطالبتنا بحقوق المحرومين والمناطق المتخلفة والفئات المضطهدة إنما نصون لبنان ونحفظ كيانه ومجده. وبناء على تعليمات الحسين فنحن نسلك هذا الخطّ للنهاية ليبقى لبنان ولنلتحق بالركب الحسيني.
المطلوب عدم الاكتفاء بهذه الاحتفالات لئلا تتحول إلى طقوس ومراسم شكلية متحجرة يختفي وراءها المذنبون، ويطهِّر الطغاة ذمتهم أمام الشعب بحجة حضورهم المآتم، ولئلا يصبح البكاء والمشاركة في المأتم بديلًا عن العمل وتنفيسًا للغضب الثائر والاحتجاج البنّاء.
ولكي لا تصبح الحركة الحسينية مؤسسة وطقوسًا علينا أن نحاول إدراك أبعادها والتحرك على ضوء تعاليمها. إن الحسين يحدد سبب حركته بكلمتين: "إن الحق لا يُعمل به، والباطل لا يُتناهى عنه".
وها أنا أسأل: لو كان الحسين بيننا، وكان يرى أن الحق لا يُعمل به، بل إنهم يتمادون في عدم العمل بالحق والاستهتار به، فماذا كان يعمل؟
هذه السنة جعلنا الاحتفال الكبير في ياطر البلد الذي قُصِفَ وغُزي وهُدِمَت بيوته وشُرِّدَ بعض أهله ولم يزل معرضًا للاعتداء.
أما المنطقة هذه، التي نشاهد بيوتها المهدومة، وآثار القصف الإسرائيلي والاعتداءات المتكررة عليها، فيجب أن تتحدث وتعبِّر بلغة جديدة غير لغة المطالبة، لأنها لا تسمع مهما حاولت ارتفاع صيحتها.
جعلنا هذا الاحتفال في ياطر وعلى بعد أميال من الحدود، لكي نجعل فصلًا جديدًا في تاريخ المآتم الحسينية، فنحولها إلى دوافع للوقوف القوي الثابت بجانب حقنا مهما بلغت التضحيات. ولكي يكون أيضًا فصلًا جديدًا في تاريخ مطالبتنا بحقوق المحرومين والمعذبين في لبنان. قلنا فصلًا جديدًا في تاريخ المطالبة، ونعيد إلى الذاكرة أن الطائفة الشيعية منذ أشهر تطالب بالحقوق في حقل الوظائف والمناطق، وقد وضعت وثيقة استقالة الوزراء وحجب ثقة النواب عن الحكومة ضمانًا لتنفيذ مطالبها.
أما الذكرى، فيجب أن تبقى حيّة متحركة، مؤثرة في حياتنا، كما كانت المعركة؛ فقد رسمها سيد الشهداء بدم قلبه وتضحية أهله، ولا يجوز أن تبقى الذكرى فارغة من محتواها الحقيقي كطقس جامد.
في هذا الوقت بالذات تصدر تشكيلات، وتُوزَّع مشاريع تتجاهل في قسوة متناهية حقوق المحرومين وعمران المناطق المتخلفة، فهل يبقى للمطالبة من مفهوم؟
أيها الإخوة،
إن الأساس لبقاء الأوطان العدالة وكرامة المواطن. أما في لبنان فمفهوم كرامة الإنسان وحريته باقٍ كواحة: فالاستئثار والطغيان وتجاهل حقوق الآخرين تزعزع كيان البلد وتعرِّض مستقبله للخطر. أما نحن عندما نطالب بالحقوق وبالعدالة فإننا نصون وطننا، ونحفظ مستقبله وحرية مواطنيه وكرامتهم. فلتعلموا أن المسؤولين هم الذين يهددون بسلوكهم أمن هذا الوطن وكيانه واستقراره وتعايش أبنائه، وليعلموا أننا لا نسمح لهم بذلك لكي يبقى لبنان.
نحن حفظة لبنان، كما نحن مستعدون للدفاع وحمل السلاح. أنا الشيخ المريض مستعد أن أحمل البندقية وأقف معكم على الحدود، أنا على استعداد لكلّ ما يُطلب منّا. لماذا لا يعطون السلاح للجنوبي للدفاع عن بلده، ويعطون لغيره ليقيم العصابات وللاعتداء على الناس؟ لماذا تُصرف الملايين على غير الجنوب؟ لقد صُرِفَ في 4 سنوات 984 مليون ليرة، ولم يُصرف شيء للجنوب وبعلبك والهرمل. أكذوبة الليطاني تدغدغ سمعنا، لا فلس واحد لليطاني، كلّه كذب بكذب على رغم إعطائهم جدولًا زمنيًا للتنفيذ.
قالوا إن التبغ يخسر في لبنان مع العلم أنه يربح في كلّ العالم. لقد ربحت الريجي هذه السنة 58 مليون ليرة.
أمس اكتشفنا أنه سيتوزع 18 مليون ليرة على الطرقات في لبنان. ولا قرش واحد للجنوب. لماذا؟ هل الناس في الجنوب حمير؟
إن احتفالنا في هذه الأرض الطيبة في مكان وجدنا على مدخله بيوتًا هدمها العدو معناه أننا نعيش مشاكل هذه الأرض.
إننا نقيم حفلة استشهاد الحسين على مرأى من العدو الغاصب وعلى بعد أمتار منه.
فلنصرخْ في وجه حكامنا إذا سمعوا: فليعطوا السلاح للجنوبي، وليعلموا أن في هذا البلد ابنًا مدللًا وابن جارية، ومنطقة مدللة ومنطقة محرومة.
نريد العدل للجميع والدفاع عن الجميع لأننا على ما يبدو من منطقة صُنِّفَتْ من الفئة الثالثة كما صُنِّفَ مواطنوها... لذلك لم يبقَ لنا غير الثورة والسلاح.

source