د. عبدالهادي الصالح: طرح الإمام موسى الصدر في العام ١٩٦٤ للمرة الأولى فكرةَ حوار الأديان علاوة على الوحدة الاسلامية للأزهر تحية أحسنها

calendar icon 14 تشرين الثاني 2022 الكاتب:عبد الهادي الصالح- باحث كويتي

للأزهر تحية أحسنها​
د. عبدالهادي الصالح: طرح الإمام موسى الصدر في العام ١٩٦٤ للمرة الأولى فكرةَ حوار الأديان علاوة على الوحدة الاسلامية

توجه فضيلة شيخ الازهر الشريف "الدكتور أحمد الطيب" مؤخراً بـ"نداء إلى علماء الدين الإسلامي على إختلاف مذاهبهم إلى المسارعة بعقد حوار إسلامي إسلامي من أجل إقرار الوحدة تُنبَذ فيه أسباب الفرقة والنزاع الطائفي".
قال الطيب: "هذه الدعوة إذ أتوجه بها إلى إخوتنا من المسلمين الشّيعة، فإنني على استعداد، ومعي كبار علماء الأزهر ومجلس حكماء المسلمين، لعقد مثلِ هذا الاجتماع بقلوب مفتوحة وأيد ممدودة للجلوس معاً على مائدة واحدة".
ونرد التحية بأحسن منها:
أولاً  ـ قد تتنوع الاراء في مساحة هذه الوحدة، ومجالاتها وشروطها واعتباراتها.
لكن كل دعاة الوحدة الاسلامية من علماء السنة والشيعة لم يقصد احد منهم على الاطلاق إلغاء الآخر، فيصبح الشيعة كلهم سنة والسنة شيعة، وانما:  "نلتقي فيما نتفق فيه وهو الاغلب، و فيما نختلف فيه يعذر بعضنا بعضاً، ولكن نتصرف كأمة لها دين واحد ونبي واحد وقبلة واحدة وقرآن واحد ومصالح مشتركة، وفي مواجهة واحدة للتحديات، هذا معنى الوحدة الاسلامية.
ثانياً:  هناك جهود كثيرة من علماء الاسلام لجمع المسلمين على الوحدة، و منهم من القرون الأخيرة ما يلي:
1 ـ جمال الدين الحسيني الأفغاني (1838- 1897) وكان من طموحاته الكبيرة تحقيق الوحدة الإسلامية بين الأمة، وعندما ذهب إلى مصر تتلمذ على يديه محمد عبده وغيره من الجماعة الاسلامية، وقد لعب دوراً أساسياً في بلورة الفكر الوحدوي ودعوته لهذا الأمر.
2- المرجع آية الله العظمى المرحوم السيد حسين البروجردي ( 1875 -1961) كان من السباقين للوحدة، ومعه العلامة الشيخ محمد تقي القمي الذي وصف برائد للتقريب والنهضة الإسلامية حيث ساعد في نقل فكرة التقريب من الحركة الفردية إلى الحركة المؤسسية وبالتعاون المشترك مع علماء الأزهر أسسوا "مجمع التقريب بين المذاهب الاسلامية " في القاهرة زمن امام الازهر فضيلة الشيخ محمود شلتوت ، وكان هذا المجمع نشطاً.
3- حوار سني  ـ شيعي ضمنه كتاب "المراجعات" كان نتاج قيام اية الله السيد عبدالحسين شرف الدين عام 1911 م بزيارة لدولة مصر ليقف على أعلامها، فكانت من جملة زياراته للعلماء أن التقى عدّة مرات بشيخ الأزهر فضيلة الشيخ سليم البشري، فكان حصيلة ذلك مناقشات دارت بينهما في المسائل العقائدية، كموضوع الإمامة وأهم أسباب الاختلاف الواقع بين أهل السنة والشيعة.
4- السيد أبوالقاسم الكاشاني (1877 - 1962م ) وهو مرجع شيعي وزعيم سياسي سابق وقد تعاون مع الجماعة الاسلامية في مصر. وكان الطلاب في جامعة القاهرة يطلقون شعار "كن كاشاني يا شيخ الازهر"!
5- الإمام موسى الصدر. عام 1964 طرح الإمام موسى الصدر للمرة الأولى فكرةَ حوار الأديان علاوة على الوحدة الاسلامية، حتى ان وسائل الإعلام العربية اعتبرته توأمَ سماحة الشيخ حسن خالد رحمه الله ، مفتي أهل السنّة في لبنان، لشدة القرب بينهما.
6- المرحوم الشيخ مهدي شمس الدين اسس الجامعة الاسلامية لتضم جميع ابناء المذاهب الاسلامية، وكانت تقام فيها صلاة التراويح لمن يريد.
7- ومع تفجر الثورة الاسلامية في ايران اطلق الامام روح الله الخميني مجموعة فعاليات للوحدة بين المسلمين وجعل القضية الفلسطينية ورمزها "يوم القدس " هدفا للمقاومة الاسلامية الواحدة.
8- ولا زال مراجع الشيعة السابقون والمعاصرون ومنهم آية الله العظمى السيد السيستاني يدعون لوحدة المسلمين ونبذ الطائفية، وفتاواهم وبياناتهم ومحاضراتهم في ذلك واضحة وموثقة.
ثالثاً ـ لابد من دراسة مثل هذه الجهود المضنية، ودراسة عوائقها، ووضع اسباب استمرارها وتعميقها وتوسعها.
ففي المقابل هناك أيادي تعتاش على تمزيق وحدة المسلمين و تنظر لتكفير المسلمين، واثارة المنازعات البغيضة بينهم، في تكرار للشعار الاستعماري "فرق تسد"، أي إذا أردت أن تفتح بلداً فاجعله قوىً متناحرةً، وأمة ممزقة!
رابعاً ـ في وقتنا الحاضر تزداد اهمية وحدة الصف الاسلامي للاعتبارات التالية التي تواجه جميع الطوائف الاسلامة على حد سواء:
1- تعاظم قيم البحث العلمي والانفتاح على الآخرين، واطلاق الحريات الفكرية والعقائدية، وتجريم الاكراه والاجبار والاضطهاد، والمسلمون اولى بإظهار هذه القيم النابعة من اصولهم الاسلامية، وانهم اولى باحترام الانفتاح و الحوار بينهم.
2- ثورة تبادل المعلومات العنكبوتية، وشعبية أدوات التواصل الاجتماعي بلا قيود، فلا سبيل الا مواجهة الاختلافات الاسلامية بالحقائق والحوارات العقلانية الصريحة الهادئة.
3- الغزو الالحادي ، ومحاولات تدمير العفة ، و تبديد القيم الاسرية الطاهرة ، وتقنين مشروعية الشذوذ والاباحة الجنسية المطلقة.
4- مستويات تلك التحديات كبيرة جداً فادحة الاخطار، وباهضة التكاليف المالية، وتعقيدات التقنيات المبهرة، و توسع الرقعة الجغرافية الممتدة حول العالم، مما يؤكد على ان زمن الانفرادية قد ولى، والان هو زمن التكتلات والاحلاف والتجمعات العالمية، فحان الوقت لتوحيد الجهود والطاقات الاسلامية بالتعالي على جروح الخلافات المنفرة و مواجهتها بطاقات اسلامية وحدوية.
5- شيوع الفكر التكفيري، وجماعاته المنظمة التي تستهدف تشويه الاسلام باشاعة الرعب بالعنف الدموي والخطف وهتك الحرمات وتدمير الارث الحضاري الانساني و القتل الجماعي زورا باسم الجهاد الاسلامي.
6- الزحف الاجنبي نحو الهيمنة على سيادة قرارات الدول الاسلامية وخيراتها عبر تفشي الجهل الديني والفقر والاحتراب الداخلي، والضغوطات للتطبيع مع الصهاينة لتهويد فلسطين ¥وعاصمتها القدس الشريف اولى القبلتين وثالث الحرمين.
خامساً ـ ظروف الدخول في الحوار، ولعل العلماء الروحانيون هم من يضعون الضوابط المانعة الجامعة، ولكن ازعم ان هناك اساسيات لا بد منها لضمان تحقيق الحوار الناجح وهي:
1 ـ الحوار العلمي المغلق على العلماء الربانيين الشجعان الذين لديهم الاستعداد ولديهم الرغبة في تذليل العقبات والعوائق، محصنين عن التأثر بحماس وعواطف الجمهور الضاغطة.
2 ـ استقلالية هذه الجهود الوحدوية عن الحكومات وتوجهاتها السياسية مع الترحيب بالدعم الغير مشروط بأنواعه.
3- لديهم الجرأة لاعادة دراسة التراث الاسلامي مع اعتبار اختلاف ظروف العصور والاذواق الشخصية للمؤلفين، وآراء الفقهاء القابلة للنقاش، و تجديد التمحيص العلمي بها.
4- الروح الايجابية التي تصبغ نقاط الخلاف والخروج منها بآثار وأعذار متبادلة، تمهد لجهود اخرى واعدة، واظهار نقاط الاتفاق ووضع اسس تكريسها.

source