كربلاء والاهداف الغائبة. الإمام الصدر: الإحتفال بالحسين لا يكفي، الحسين لا يحتاج إلى ذلك، الحسين شهيد الإصلاح، فإذا ساعدنا في إصلاح أُمة جده نصرناه، وإذا سكتنا أو منعنا الإصلاح خذلناه ونصرنا يزيد

calendar icon 18 تموز 2023

أمل إرثها في ثورتك يا وارث الأنبياء.
مرة جديدة نقف لمناسبة عاشوراء أمام الأسئلة الملحاح التي تعصف بذهن الخطباء والمتكلمين وعموم الملتزمين بإحياء مراسم هذه المناسبة العظيمة التي تحيي ملحمة الشهادة والخلود، وأهم هذه الأسئلة يدور حول الإستفادة من هذا الحدث الثروة لقول الإمام القائد: إن إحتفالات عاشوراء ثروة غير مستثمرة وتحتاج إلى رعاية وتهذيب، وإلى إعطائها ابعاداً هادفة.
 بدايةً يجب التأكيد على أن عاشوراء ليست حدثاً من أحداث الماضي ولا موقعةً تاريخيةً انتهت بإنتهاء وقائعها المباشرة على مستوى الأحداث، بل هي شأن في الحاضر مفتوح على آفاق المستقبل، تحمل في طياتها آليات وقدرات دفع الحدث الانساني إلى الأمام مشحوناً بطاقة البذل والفداء لصناعة مستقبل الانسان على ضوء أقانيم ومفاهيم صاغها الامام الحسين(ع) ربطاً بالمسار الانساني العام، وليس بظرفية الحدث الكربلائي وتاريخيته فقط، فكان النداء المتضمن لمعاني الاصلاح والحرية والمثل والقيم وحفظ الرسالة والدين ومصالح المجتمع ومحاربة الظلم، مساراً بشرياً اختطه المسلمون عبر قرون الاسلام الممتدة ليصل اليوم إلينا ويشكل اطروحةً حضاريةً لأمة محمد(ص)، في خضم صراع القيم والتدافع الحضاري.
وعليه، نتحمّل نحن السالكين في هذا الخط الحسيني مسؤوليةً مضاعفةً في التأكيد على التالي:
1- إن أصل ملحمة كربلاء هو الصراع بين المثل والقيم، قيم الاسلام كما بيّنها القرآن الكريم وآل البيت(ع) وبين مدونة أعرافٍ قوامها إحياء العصبيات القبلية وروابط الدم والعرق مقابل عالمية وشمولية الاسلام، ومن هنا قول سيد الشهداء(ع): "ومثلي لا يبايع مثله"، قاصداً يزيد، ولو تأملنا عبارتي مثلي ومثله كأننا نقرأ (مُثُلي لا تلتقي بمُثُلِه)، مُثُل الحسين(ع) واضحة جليّة في متن خطابه الذي شكّل البيان التأسيسي والعنوان لنهضته.
يقول الإمام القائد السيد موسى الصدر: إن الحسين بإستشهاده صان القيم وبموته أحياها وبدمه ابرزها ورسمها على جبين الدهر ثم أدخلها في اعماق القلوب والعقول بعد ما هزّها وفجّرها بالفاجعة.
من هنا إن الإصلاح في أُمة جده، وهي الأمة المستمرة في الزمن حاضره كما ماضيه وكذلك في المستقبل، هذا الإصلاح هو أول عناوين ثورة الإمام الحسين(ع) لقوله: " إني لم أخرج أشِراً ولا بطِراً، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أُمة جدي، آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر"، وكأنه يردد نداء أبيه عليّ(ع) الذي قال: (اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منّا منافسةً في سلطان ولا إلتماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك ونُظهر الإصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك وتُقام المُعطلة من حدودك).
لذا يقول الإمام السيد موسى الصدر: الحسين خرج لا حباً بالخروج وقُتل وحارب لا حباً بالحرب والقتل وإنما صيانةً للإسلام ليمضي الإمام الصدر ويقول: الإحتفال بالحسين لا يكفي، الحسين لا يحتاج إلى ذلك، الحسين شهيد الإصلاح، فإذا ساعدنا في إصلاح أُمة جده نصرناه، وإذا سكتنا أو منعنا الإصلاح خذلناه ونصرنا يزيد.
المطلوب في هذه الأيام، وفي ظل الوقائع السياسية وقضايا الإستبداد والظلم والفساد التي تعصف بمجتمعاتنا، العودة إلى خطاب الاصلاح الحسيني وتقديم النص الكربلائي بإعتباره مدونة تحمل كل عناصر مشروع النهوض والتغيير، وأن تقدَّم عاشوراء بإعتبارها أُطروحةً أصيلة تنتمي إلى هوية وثقافة وتاريخ شعوبنا التي وُضعت قسراً أمام استلهام النماذج الوافدة من خارج مداياتها الحضارية وثقافتها.
2- إن الإحياء العاطفي لمناسبة عاشوراء قد أدّى وما زال دوراً أساسياً في حفظها، لكن الأمانة والإعتراف بدور هذا الإحياء تتطلب منع الدخيل من العادات والممارسات التي تحط من شأنية هذا الحدث الإسلامي العظيم، كما أن السيرة وخطباؤها قد أدوا دوراً مهماً في حفظ الوقائع، لكن اربابها اليوم يقفون أمام مسؤولية الخطاب الواعي والموضوعي بعيداً عن الأسطَرة وإعمال الخيال الغير منضبط، مما يؤثر سلباً على مُجمل الإحياء العاشورائي، ويقدم مستمسكاً لخصوم المذهب ومعارضيه.
3- إن منبر عاشوراء يجب أن يبقى محكوماً بالأهداف التي من أجلها قدّم الحسين(ع) وصحبه دمائهم في كربلاء وهي أهداف الاصلاح والحرية والوحدة، وعليه مع التأكيد على الحقيقة التاريخية التي لا جدال فيها والمتعلقة بكون الإحياء العاشورائي كان وما زال شأناً شيعياً، لكن الحق يجب أن يُقال وهو أن ثورة الإمام الحسين(ع) أكبر بكثير من أن تكون عناوينها مختصة بمذهب أو فئة، واليوم أمام هذا الإلتفاف الكبير والتعرف على كربلاء من قبل الغالبية من المسلمين بالإستفادة من وسائل التواصل الحديثة، يُصبح لزاماً العودة إلى أصل المشروع الحسيني الإنساني، مما يحملنا مسؤولية أن يكون منبر عاشوراء، منبر وحدة المسلمين والعرب، وأن يؤكد خطباؤه على قضية العرب والمسلمين المركزية فلسطين، والمظلومية التي حلّت بشعبها وطرده من أرضه وإعتبار إسرائيل هي التجسيد الحي لليزيدية المعاصرة كما قال الإمام الصدر.
وأن الشيعة بإعتبارهم الطليعة المناضلة والملتزمة في هذه الأمة عليهم أن يقدموا أبهى ما لديهم في هذه  المناسبة العظيمة لتكون بحق عناوين جامعة لعموم المسلمين، وهذا ما سار عليه قادتنا العظام في لبنان والعراق وإيران، وإن ما يسيء للإحياء العاشورائي إنما يكون في إستحضار الأبعاد الضيقة في علاقتنا بهذا الحدث الملحمي.
4- إن الحسيني الذي يعمل على إحياء هذه المناسبة مدعو إلى أن يضبط آداءه وسلوكه على ضوء المباني الحسينية وأصلها القيمي، فلكربلاء بعدٌ تربوي في صياغة الشخصية الملتزمة والمسؤولة والثابتة على الموقف والمستعدة لتقديم أغلى ما يملك المرء من أجل أهدافه وقضيته، كما هم اصحاب الحسين.
الحسينيون اليوم يجب أن يكونوا الطليعة الملتزمة، يقدمون المثال الأعلى الذي يُفترض أن يُحتذى سلوكاً وتضحيةً وصدقاً وإخلاصاً ومحاربةً للإنحراف والظلم، وان يبذلوا الجهد في الإستفادة من دروس الإحياء العاشورائي ببث الوعي في مجتماعتهم عبر التركيز على المخاطر المعاصرة التي تحيق بهذه المجتمعات من الأفكار الهدّامة المتعلقة ببث افكار الفساد وممارساته على الصعد كافة إجتماعية وإقتصادية، وداخل العائلة، وفي مجالات الشأن العام والمسؤوليات المتعلقة بنظام مصالح الناس والمجتمع، ومحاربة موجات الإنحلال الأخلاقي التي تعمل على إشاعة الميوعة وضرب أواصر الأسر والعائلات، ودك الحصون التي تُشكل قلاع صمود المجتمع والأُمة أمام التحديات على مختلف أنواعها.
5- إن المثقف الحسيني عليه أن يبذُل الجهد الفكري وإعمال ملكاته العقلية وقدراته الثقافية في إستخراج ما هو كامن وغير معالج في ثورة كربلاء، وتقديمه بصورة راقية ومعاصرة لتكون مادة مرجعية وكتاباً مفتوحاً على الوعي بالذات والهوية والالتزام بكل القضايا والعناوين التي كانت من أجلها كربلاء عملاً بقول الإمام القائد: ذكرى عاشوراء يجب أن تبقى حيّة  متحركة مؤثرة في حياتنا كما كانت المعركة فنحولها إلى دوافع للوقوف الثابت بجانب حقنا مهما بلغت التضحيات. وأن نُرسي كحركيين حسينيين نظرية الارتباط بين الفعل الحسيني والغايات الإلهية بخلق الانسان الإلهي بقول الإمام الصدر: إن الحسين قائد البقية الباقية من الانسان الإلهي الذي تربّى في مدرسة دين الله.
وأمل بنصره تعالى وعودة الإمام القائد وأخويه
المكتب السياسي لحركة امل

حركة أمل