المؤمنون ومسؤوليتهم

الرئيسية صوتيات التفاصيل
calendar icon 18 أيار 1973 الكاتب:موسى الصدر

في ذكرى ولادة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، نسترجع خطبة صلاة الجمعة للإمام الصدر ألقاها في مسجد صور بتاريخ 18 أيار 1973، تحدث فيها عن السيدة فاطمة الزهراء وكيف مثلت بحياتها الإسلام، وعن الدور الذي وصلت إليه المرأة من خلال مشاركتها في بناء حياة الأمة. وهذا النص كاملًا: 

* خطبة للإمام الصدر في صلاة الجمعة في مسجد صور، بتاريخ 18 أيار 1973، تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات.
بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد الله رب العالمين قاصم الجبارين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله الطيبين الطاهرين ومن إئتم بهم الى يوم يبعثون. والسلام عليكم أيها الأخوة المؤمنون.
أما بعد،
فإن الحديث في هذا اليوم، حسب الموضوع المناسب للوقت كان عن سيدتنا فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه. هذه السيدة الجليلة التي مثلت بحياتها الإسلام، في الجانب الآخر، دور المرأة ومشاركة المرأة وتفكير المرأة في حياة الأمة.
هذه السيدة الجليلة، التي اعتبرها رسول الله قطعة منه وريحانته من الدنيا، وأنها منه، من آذاها فقد آذاه، ومن أغضبها فقد أغضبه، هذه السيدة الجليلة التي اكتسبت احترام النبي وإكرامه فكان يزورها قبل كل أحد ويودعها بعد كل أحد.
وقد وصلت إلى هذه المرتبة الشامخة بسعيها وجهدها وعملها لا بمجرد انتسابها لرسول الله، وكونها بنت الرسول. وقد صرح الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم عندما قال "يا فاطمة اعملي لنفسك فإني لا أغني عنك من الله شيئا".
وهكذا كنا نود أن نتحدث في هذه القمم الشامخة من قمم المسلمين والمؤمنين، التي تمثلها امرأة، تأكيدًا لمساواتها ودورها وتأثيرها في حياة الأمم، إلا أن الظروف التي مرت جعلتنا نبحث في حديث أشمل والحديث هذا في الحقيقة هو الحديث عن فاطمة وعن أبيها، وعن بعلها وبنيها. فهؤلاء هم الذين وضعوا أسس المسؤولية، وأكدوا بسلوكهم أنهم لا يعتمدون على انتسابهم وعلى تراثهم، وعلى مكاسب الآخرين في حياتهم وعلى الأمجاد التي اكتسبتها الأجيال من قبلهم. هؤلاء بدأوا من الصفر وتحملوا المسؤوليات وهكذا وضعوا أمامنا، رجالًا ونساء، كبارًا وصغارًا، أسس المسؤولية وطريق التحرك والعمل في هذه الحياة.
أيها الأخوة المؤمنون،
لقد شاهدنا خلال هذه الفترة القريبة التي سبقت، والتي نرجو ألا تتكرر في حياتنا في لبنان وفي حياة أمتنا؛ لقد شاهدنا الضعف في تحمل المسؤوليات لدى المواطن؛ ولقد شاهدنا اهتزاز كثيرًا من الناس ووقوعهم على مقربة من الانهيار. وهذا يؤكد عدم ترسيخ الإيمان في القلوب.
فالإيمان يعرف عند الهزات وعند المصائب وعند المتاعب، وعند الغضب وعند النصر. الحديث الشريف يقول: كن كالجبل الراسخ لا تحركه العواصف(1)، المؤمن كالجبل الراسخ لأن الإيمان ليس فكرة في النفوس وحالة في القلوب والعقول، بل إن الإيمان ارتباط متين بالله رب العالمين وصلة قوية تمنع الإنسان من الاهتزاز والضعف، ومن الانجراف والسلوك العفوي اللامسؤول.
الإيمان ليس مجرد كلمة تقال، ولا صلاة تصلى ولا صيامًا، ولا مختلف مظاهر الإيمان، بل الإيمان الحقيقي هو وقفة الإنسان في ساعات الحرج، في ساعات المصالح المتضاربة، في ساعات المحنة والكوارث. عندما يكون الإنسان المؤمن ذا تربية صالحة لا يحتاج في ساعات المحنة أو في ساعات المنفعة أو في ساعات المصيبة، أن يقول له المربي افعل كذا ولا تفعل كذا؛ بل هو عند ذلك يتصرف بمقتضى إيمانه، بمقتضى ضميره، يتخطى المنافع ويتجاوز المحن ويتعالى على الأحداث الصغيرة والشحناء والبغضاء، وأمثال ذلك من العوامل النفسية الصغيرة التي تحيط بالإنسان في ساعات المحنة. وإذا لم نكن من المؤمنين الذين هم كالجبال الراسخة، فلا ندري مصيرنا ولا مستقبلنا.
لقد حفظ الله في هذه الأيام بلدنا ومنع وقوع الكوارث والمحن والتوتر، بهمة أناس طيبين وبسعي أناس مخلصين من مسؤولين وغير مسؤولين و"كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"(2). ولكن هل يجوز بعد ذلك أن ننظر إلى المستقبل نظرة متفرج نترقب الأحداث ونتجنبها ونتفاءل بالمصير أو نتشاءم منه؟ كلا، ما هكذا أرادنا الله. إنه أرادنا أن نكوّن بأيدينا وبمساعينا وبوعينا وبإيماننا، أن نكوّن بذلك مستقبلنا، وأن نكون نحن الحكام في مصير التاريخ.
فالذين يقولون ويتحدثون عن جبر التاريخ، في الحقيقة يتحدثون عن دور الإنسان في التاريخ. فلا محرّك للتاريخ غير الإنسان، ولا باني للمستقبل غير الإنسان. فالإنسان هو الذي يبني مستقبله خيرًا أو شرًا، ولا يمكن أن نقبل من أبناء أمة أننا لسنا مسؤولين عن المستقبل. فالعدو تلاعب بنا، والأيادي المخربة اشتغلت في ما بيننا. هذا كلام لا يصدر عن المواطن الواعي، فالمواطن الواعي هو الذي يقطع الأيادي المخربة، ويمنع العدو من التلاعب في المصير. فالبلد بلدنا، وبلد أجيالنا القادمة، وكرامة أبنائنا واستمرار تاريخنا المستمر. ولذلك لن نقبل ولا الله يقبل منا أن نكون من المتفرجين على المستقبل فنضع أيدينا على قلوبنا ماذا سيحدث؟ كلا، لن نسمح أن يحدث غير ما نشاء، وان يكون غير ما نريد، من صميم مصلحة وطننا ومصلحة أمتنا، هكذا يربينا الإيمان.
فعلينا أن نقف عند هذه النقطة في وقت الصلاة وأمام الله، لكي نبحث ما الذي يهزنا في ساعات المحنة؟ ما الذي يجعلنا نتخبط في التصرف فنجزع ونفزع هنا وهناك [من] غير أن نكون قادرين مستقلين صابرين.
أيها الإخوة المؤمنون،
الإيمان لا يظهر في ساعات الراحة فحسب، بل الإيمان صلة ورابطة قوية تحفظ الإنسان في ساعات المحنة وفي ساعات المصيبة وفي ساعات الانتصار، وفي ساعات الخوف وفي ساعات القلق عندما يفقد الإنسان حالته الطبيعية، لو كان مؤمنًا بقضيته لا يفقد صوابه. لأن الإيمان راسخ في قلبه فهو يتصرف على ضوء وجوده العميق وإيمانه العميق في نفسه. ولذلك يؤكد القرآن الكريم على نقاط معينة فيقول في ساعة المصيبة أن المؤمنين هم الذين يقفون صابرين في وقت المصيبة: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾ [البقرة، 155-156].
يقف في ساعة المصيبة فيؤكد أن الإيمان يُعرف عندما يصاب الإنسان بمصيبة. وهكذا يُعرف المؤمن في ساعة الخوف وفي ساعة الخوف من الخسارة: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء﴾ [البقرة، 268]، وفي ساعة المحنة وفي ساعة الغضب: ﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة، 8]، وفي ساعة النصر: ﴿إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ [النصر].
الإنسان المؤمن عندما ينتصر لا يفقد أعصابه، ولا يشعر بسكرة الانتصار، ولا يتصرف كالسكران يتخبط، فيغضب فينتقم ويتصرف بدون عدالة. الإنسان المؤمن في ساعة الحرج، في ساعة ظلم الآخرين، في ساعة غضبه لا يرد الكيل كيلين، ولا يهدم البلد لمجرد غضبه من هذا أو ذاك، الإنسان المؤمن في الحالات الحرجة يتصرف بمقتضى إيمانه.
نحن في لبنان، أيها الأخوة المؤمنون، كلنا مؤمن، كل منا يؤمن بطريقه؛ كل منا يعبد الله على طريقته؛ كل منا يؤمن بأن خالق الأرض ومقدر الكون ومحاسب الإنسان يوم الحساب هو الله رب العالمين. فنحن نعرف أن حركة العالم وسير التاريخ وأعمال الإنسان كل عمل محسوب ومحاسب. وأننا نحن أرادنا الله أن نتخلق بأخلاقه ونسلك سبيله ونقول: ﴿إِنَّا لله وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾ [البقرة، 156]، نعتبر أنفسنا راجعين إلى الله.
ففي ساعات المحنة -لو كنا مؤمنين، في هذه الحالات- يتمكن الإنسان أن يتصرف بملء تفكيره ووعيه. نحن في هذا البلد لا ننسى أن أمامنا -إلى جانب أعداء كثيرين- أمام عدو رأسماله الأول هو الدس والتفرقة والفتنة وخلق المحن الداخلية. فعلينا أن نصون أنفسنا وأن تكون لنا حصانة في عدم التأثر بالشائعات وبالأكاذيب وبالأحاديث الباطلة وبالاستفزازات، ولا يكون ذلك إلا بالإيمان والتمسك. هنا يبرز المؤمن من غير المؤمن. أنا لا أرى الذي يغضب فيدعي أنه يدافع عن كرامة طائفته، لا أراه مؤمنًا بل أرى المؤمن هو الذي يفكر في مصلحة المؤمنين، وفي مصلحة طائفته، وفي مصلحة إخوانه وجيرانه، ولا يجعل الآخرين يستفزونه فيتحرك بعفوية بلا شعور فيزيد المشكلة ويفجر المحنة.
لا يمكن أن نعتبر أن الإيمان والغيرة الدينية يظهران بالمظاهر التي شاهدناها، مع الأسف، ليست هذه المظاهر مظاهر الإيمان. هذه مظاهر العنصرية، هذه مظاهر التفرقة البشرية، هذه المظاهر التي تؤكد خفة الإنسان في التصرف وعدم رسوخ الإيمان في قلبه. المؤمن يُعرف بعدم الاهتزاز في مثل هذه الأحداث.
هكذا نفكر في المستقبل، عندما نفكر الحمد لله الأجواء طيبة وهادئة، والمشكلات انحلت، والظروف تحسنت، ونحن نحو الخير، ولكن هل يمكننا أن نفكر أن مصير بلدنا متروك للأقدار، متروك لتلاعب العدو، متروك لجهل الصديق، متروك للأيادي المخربة؟ كلا، علينا أن نفكر في بناء المستقبل ولا بناء إلا بإيماننا، إلا بسيطرتنا على مشاعرنا الخاصة. هكذا علمنا رسول الله، وهكذا سلك علي ولي الله، وهكذا مثّلت فاطمة الزهراء صاحبة هذا اليوم الأغر حياتها وسلوكها. فأمام المحن التي مرت عليها، وأمام الظروف الصعبة التي عاشتها، ما وجدناها يوما خرجت عن اتزانها ولا اعتدالها وكانت صابرة ومحتسبة، وكانت في جميع الحالات تحافظ على الغاية، ولا تلتهي بمشاكل الطريق أو بصعوبات الطريق أو بمغريات الطريق.
هكذا يريدنا الإسلام، هكذا تريدنا صلاة الجمعة، هكذا يريدنا الله سبحانه وتعالى. فأبناؤنا في المستقبل لا يسمعون أعذارنا إذا اعتذرنا فقلنا أن الأمر كان خارجًا عن أيدينا. الأمر بيد من، إذا لم يكن بأيدي المواطنين؟ الأمر في يد من يترك إذا ما تمسك به المواطن المسؤول الواعي؟ لا يُسمع هذا العذر.
فعلينا من الآن، ولكي لا تتجدد الأزمات ولا تتكرر المحن، علينا أن نقوي إيماننا، وأن نقوي صلتنا بربنا، وأن نحافظ على إيماننا، وأن نعرف أن للمؤمن في كل حالة وقفة، وله في كل مصيبة موقفًا، يتصرف من خلال إيمانه، ولا يترك المجال للانفعالات والاستفزازات والتصرفات العابرة الخاطئة.
لا خلاف في المبادئ، هنا وهناك، لا يطلب أحد في العالم منا في لبنان أن لا نكون متمسكين بسيادتنا وبسلامة أراضينا وبكرامة مواطنينا. ولا يطلب أحد في العالم منا ذلك، ولا يحق لأحد أن يطلب منا ذلك. كما أن المبدأ الثاني مبدأ أيضًا متفق عليه يعلنه كل لبناني، يعلنه كل مسؤول، يعلنه كل مواطن: قداسة السعي والجهاد في سبيل تحرير فلسطين. وهذه القداسة لا تحتاج إلى شهادتنا، كما أن السيادة ما احتاجت إلى شهادة من غيرنا.
السعي لتحرير فلسطين سعي لإنقاذ المقدسات الإسلامية والمسيحية، سعي لتحرير الإنسان، سعي لعدم تشويه سمعة الله في الأرض. فالصهيونية بتصرفاتها تشوه سمعة الله وسلوك الله. يقولون أرض المعاد ويريدون أن يعودوا إلى ارض المعاد، ويعتبرون عودتهم إلى أرض المعاد وعدًا من الله، ونُفِّذ الوعد بالقنابل، ونُفِّذ الوعد بالاغتصاب، ونُفِّذ الوعد بالاحتيال والإرهاب وقتل الأنفس.
هذه الصورة التي رسمتها الصهيونية عن الله أمام الكون وأمام العالم، قد جعل المؤمنين الضعفاء في شك –من إيماننا- ومن إيمانهم. فتحرير فلسطين وإصلاح هذه المجموعة البشرية -إذا قبلت الإصلاح- إنقاذ لسمعة الله وواجب كل مؤمن دون استثناء. فإذًا، فالسعي لتحرير فلسطين ودعم المجاهدين ومساندتهم ومساعدتهم بكل ما نملك من القوة، ليس مبدأً يشك فيه أحد.
فإذًا، على ماذا الخلاف؟ على أي صورة من الصور تقع الصعوبات والمحن؟ هل يتمكن العدو بطرقه غير المباشر أن يستفز وأن يحرك أخًا ضد أخيه، وابنًا ضد أمه، وإنسانًا ضد جاره؟ حاشا المؤمنين أن يتحملوا ذلك، وأن يقبلوا أن يكونوا منفذين لتخطيطات عدوهم وأعدائهم. هل تتمكن الأيادي المخربة أن تبعدنا عن الطريق؟ نعم، تتمكن [من] الإنسان الضعيف، تتمكن من تحريك الإنسان الخاوي الفارغ الذي يشبهه أحد الشعراء بالمكان الذي يكثر فيه القصب أو ما نسميه بالأجمة. يقول: الإنسان غير المؤمن خاوٍ كالأجمة، فريح خفيف يجعل الأجمة تصيح وتعربد وتصرخ ويرتفع الصوت إلى عنان السماء أمام ريح خفيف، أمام هبة خفيفة من الرياح. ولكن الإنسان المؤمن الذي يصفه الحديث بأنه كالجبل الراسخ مهما كانت العواصف الغريبة لا يتحرك.
الخطة واضحة، والسلوك واضح. والواجب صريح، والمسؤولية واضحة. فبمجرد الدس والشائعات واليد الغريبة والتشويه والغموض، هل يمكن كل ذلك أن يؤثر على مصير المؤمن وعلى سعي المؤمن؟ حاشا اللبنانيين أن يقبلوا ذلك، وحاشا المجاهدين أن يتحملوا ذلك. لقد كفى. ليس الإيمان بالدعوة، ولا بالحضور في المساجد والكنائس، ولا بالتسجيل بالهويات؛ الدين المعاملة، الدين هو الموقف، الإيمان هو الحزم في الوقفة، والإرادة، والوعي في السلوك والتصرف. الإيمان صلة عميقة في النفس تحرك الإنسان في ساعات مختلفة، في ساعات حاسمة يتصرف الإنسان فيها بملء مسؤوليته.
أيها الإخوة المؤمنون،
في هذه اللحظات، وفي هذه الأيام التي نتنفس الصعداء، ونشعر بارتياح وننظر إلى المستقبل بتفاؤل، علينا أن نصون أنفسنا، وأن نحافظ على مكاسبنا، وأن نمسك بيد قوية متينة مؤمنة وطننا وسيادة بلدنا، وأن ندعم إخواننا ومجاهدينا في كل مكان، وأن لا نتحرك بالتحريك الغريب، وأن لا ننفجر بالشائعات السخيفة الغريبة.
لقد سمعت في يوم من الأيام خبرًا عني، يسألني أحدهم: هل صحيح أنك تعرضت للاغتيال؟ قلت له: أنا المتكلم معك، فكيف تسألني؟ فمثلك مثل الذي ينادي نائمًا وعندما يجيبه النائم يقول له هل أنت نائم... بعدما أجاب لا مجال للسؤال. السخف في هذه الحالات يسيطر على غير المؤمنين، أما المؤمن الواعي فهو يحس ويشعر دائمًا بأنه مع الله، وأن طريقه مضاءة بنور الله، وأن خطواته ثابتة ومركزة بإرادة الله، وأن مستقبله مبني بأمر من الله، وأن ظهره مسنود بحماية الله، وعند ذلك [لا] يخاف من أي شيء. مسؤوليته واضحة، سلوكه واضح، يتصرف دون قلق.
هذا هو المطلوب من اللبنانيين في هذه الظروف، وهذا هو خط رسمه رسول الإسلام والسيد المسيح، وسلكه عليّ وأصحاب رسول الله ووضعت فاطمة له خطوات ومعالم وأسسًا مختلفة، علينا أن نسلكها ونتمنى من الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لمتابعة الطريق لتحمل المسؤولية.
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر]
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبي الرحمة وسيد الأمة خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آل بيته وصحبه، ومن سلك طريقه ووقف معهم واهتدى بهداهم وركب سفينة ولائهم إلى يوم الدين.
اللهم صلِّ وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آل بيته وعلى أنبياء الله المرسلين، وعلى الملائكة المقربين، وعلى من جاهد في طريق الدين، وعلى الشهداء والصديقين وعلى عباد الله المخلصين.
نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهًا واحدًا أحدًا فردًا صمدًا لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا، وأشهد أن محمدًا عبده المنتجب ورسوله المرتضى أرسله بالهدى ودين الحق، وأشهد أن مولانا عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجلين ووصي رسول رب العالمين عبده ووليه إمام الهدى وقائد الخير والتقى، جاهد في سبيل الله بنفسه وماله وجميع طاقاته، وساهم في تركيز دعائم هذا الدين ورفع كلمة الإسلام بين العالمين، ونشهد أن الأئمة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم الأحد عشر من ذريته هؤلاء أئمة الهدى ومصابيح الدجى نهتدي بهم ونسلك سبيلهم ونسعى لتطبيق مناهجهم وأفكارهم [...].
نرجو الله أن ينصرهم ويوفقهم، ويأخذ بيدهم، ويحمي ظهرهم، وينير دربهم، ويقوي قلوبهم، وأن يربط على قلوبهم لكي يستمروا بخطوات ثابتة في هذه الطرق الشائكة المشرِّفة، وأن يجعلنا الله من المجاهدين في هذه المحن الكبيرة، ومن السعي في سبيل إنقاذ البقية الباقية من كرامة هذه الأمة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
صلاة الجمعة (بصوت الإمام الصدر)
_____________________
1-
 را: بحار الأنوار، المجلسي، مج24، ص107
2
- ن.م. مج 72،ص 38

source
عدد مرات التشغيل : 83