رأي الإسلام في العمل

الرئيسية صوتيات التفاصيل
calendar icon 02 كانون الثاني 1971 الكاتب:موسى الصدر

* محاضرة في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بتاريخ 2-1-1971.
بسم الله الرحمن الرحيم
كان حديثنا عن العمل والعمال وبعد مقدمة صغيرة عن المعنى والتقسيم للعمل والعمال وكيفية تحويل العمل إلى عدة صور، اليوم علينا أن نتحدث في رأي الإسلام في العمل، وهذا الرأي ينقسم إلى قسمين أو بحثين:
البحث الأول، الذي هو رأي الإسلام بخصوص الامتيازات التي يعطيها للعمل من أسباب ووسائل الإنتاج. الموضوع الثاني، هو ما يستخرج من الأحكام الإسلامية حول قيمة العمل أو بتعبير معاصر حول نظرية القيمة.
أما بخصوص البحث الأول فنحن إذا لاحظنا الإنتاج، أي إنتاج في العالم، سواء كان إنتاجًا زراعيًا أو إنتاجًا صناعيًا أو إنتاجًا تجاريًا على مختلف أنواع الإنتاج، نلاحظ أن هناك عوامل ثلاثة تشترك في الإنتاج ولو بحسب الشكل. هذه العوامل هي: العمل، وسيلة الإنتاج وثالثًا ما نسميه برأس المال أو ما يسمونه في هذه الأيام بربّ العمل.
أذكر بعض الأمثلة حتى نأخذ فكرة واضحة عن هذا التحديد تسهيلًا لمهمة التوزيع. مثلًا في مصنع، المصنع له إنتاج يعني له كمية من القماش أو كمية من الحرير أو كمية من الكبريت [أو] من أي شيء. ماذا ينتج؟ هذه الكمية من القماش أو من الحرير أو من الكبريت.
إذا لاحظنا أن هناك عاملًا يحرك الموتورات وينقل البضاعة من المخازن إلى أماكن خاصة ثم ينقل البضاعة من موتور إلى موتور أو بعد أن يُخرج البضاعة يساهم في النقل وأمثال ذلك حسب درجات (الأتمتة) إذا صحّ التعبير- لا أدري إلى أي حدّ هذا التعبير صحيح في اللغة العربية- طبعًا هذا مهما كان المصنع حديثًا كالمصانع التي تأخذ البضاعة وتُخرجها محمولة وملفوفة ومصنوعة... مصانع اليوم طبعًا، دور العامل المباشر فيها أقل. هذا العامل أحد أسباب الإنتاج، يعني دون عامل لا يمكن أن يتحرك هذا المصنع.
طبعًا، العامل على أقسام. مِن العمال مَن يمارس العمل البسيط المتواضع: نقل البضاعة من موتور إلى موتور، أو من المخزن إلى الموتور، ومن الموتور إلى السيارة، هذا نوع من العمال. ونوع آخر من العمال، عمال الإدارة، يعني مدير الشركة الذي أيضًا يعمل بمستوى أرفع يجعل من طاقته أو من خبرته أو من تفكيره سببًا لإدارة هذه المؤسسة. وكما تعرفون الإدارة بحدّ ذاتها علم من العلوم المهمة في هذا اليوم organization مثلما تعرفون كيفية توزيع العمل، كيفية تقسيم النشاط بين الفئات المختلفة من أهم وسائل الإنتاج أيضًا. هذا عمل نحن نسميه هذا العامل الأول عنصر العمل بشكل بسيط أو بشكل إدارة أو بشكل محاسبة أو بشكل تفتيش أو بشكل تسويق أو بشكل إعلام... بأي وسيلة، هذا كله عمل، هذا العامل الأول.
العامل الثاني الذي يشترك في الإنتاج: الآلة. ونريد أن نعطي معنى أوسع للآلة، لا نقصد بالآلة الموتور فحسب، المكائن... كل ما يساعد في العمل بشكل مباشر أو غير مباشر في المصنع، مثلًا، الأرض، الموتور، الآلات التي تساعد في التسويق مثل السيارة، الآلات التي تساهم في الإعلام، يعني الوسائل التي تستعمل من قبل العامل سواء كان العامل البسيط في المصنع أو العامل المركب إذا صحّ التعبير العامل الخبير في المكتب، أو المهندس أو غير ذلك.
الآلة التي تستعمل طبعًا لها دور فعال في الإنتاج، يعني هذا المصنع لو لم يكن كان الإنتاج واحدًا على ألف أو أقل من ذلك. المصنع يساعد في الإنتاج. فإذًا، المصنع أيضًا يعني الآلة تشارك في الإنتاج... هذا الثاني.
العامل الثالث، ما كان يسمّى برأس المال وما يسمّى اليوم بربّ العمل مهما سميناه هناك شيء ثالث. هذا الشيء الذي نسميه برأس المال بالمصطلح الطبيعي الأقرب إلى الذهن هو الأموال التي تُصرف في سبيل الإنتاج. ما هي هذه الأموال؟ أولًا، البضاعة يعني الخام من المواد التي تُشترى وتُنقل؛ الراتب الذي يُدفع سلفًا للعامل ويأتي بالعامل إلى هذه النقطة؛ المال الذي يصرف في التسويق، المال الذي يُصرف في وسائل الإنتاج ووسائل الإعلام، والمال الذي يُصرف في سبيل توزيع هذه البضائع في أماكن مناسبة في العالم لأجل عرضه للاستهلاك. باعتبار أنه نحن لو افترضنا أنه عندنا أحدث مصنع في العالم، وعندنا المهندس الأكثر خبرة في العالم، وعندنا العامل الأكثر إخلاصًا والأكثر نشاطًا في العالم، وضعنا هؤلاء الثلاثة مع بعض، سوف لا يعملون شيئًا إذا ما كان هناك من يدفع مالًا لشراء البضاعة ولينقلوا البضاعة من الأماكن المختلفة، وقد يساهمون بشكل تسليف للمزارع في الأشكال المتعارفة أو يشترون البضاعة بشكل احتكاري أو بشكل شرعي من المناطق، وينقلون هذه البضاعة سواء كانت قمحًا أو قطنًا أو صوفًا أو أي وسيلة ثانية. هذه البضاعة التي يجب أن تُشترى بالمال يجب أن تتحضر حتى تتمكن جميع العناصر، المصنع والمهندس والعامل أن يشتغلوا على هذا الأساس. وهكذا ما يكلف الموتور من وسائل أخرى بالنسبة مثلًا لوسائل المحروقات، ثم بعد ذلك أيضًا مجرد ما حصلت البضاعة وأنتج المصنع البضاعة ما حصل هناك إنتاج، ما حصل هناك مال، عرض البضاعة على السوق، نقلها إلى أماكن مختلفة، الدعاية والإعلام وسائر الوسائل التي تستعمل بحاجة إلى مال، هذا المال ماذا تسميه؟ تسميه رأس المال بالمصطلح السابق، فليكنْ. تسميه ربّ العمل بالمصطلح المعاصر القانوني اللبناني، سمّه ما شئت. المهم أن هناك عناصر ثلاثة تشترك في الإنتاج نسميه رأس المال، الآلة والعامل أو العمل كعامل بسيط أو كمهندس ومحاسب ومفتش بأي شكل كان، حتى رئيس شركة الإدارة، مدير عام أمثال ذلك... الذين يضعون العمال ولكن عمال.
مثلما قلنا العمل على أنواع: عمل بسيط، عمل مركب، عمل عادي، عمل خبرة، وأمثال ذلك؛ عندما نصنف هذه العناصر الثلاثة في منطق المدارس الاجتماعية الحديثة ماذا يعطون من الإنتاج ومن المساهمة ومن الأجر لهذه الوسائل الثلاث؟ رأس المال، الآلة والعمل. كيف نوزع البضاعة على هؤلاء؟ ثلاثة شركاء اشتركوا في الإنتاج، كيف نوزع الإنتاج على هؤلاء الثلاثة؟ بأي نسبة؟ بأي كمية؟ بأي نوعية؟
هذا هو أحد الأبحاث المعروفة، وأعتقد أن أساس العدالة الاجتماعية الذي يعتمد على حسن التوزيع أو ما يسمى بالعدالة في التوزيع، يأتي من هنا. يعني على جهاز الحكم، أو بتعبير أدقّ على النظام أن يحمي حق هذه العناصر الثلاثة، فلا يترك المال أو رأس المال يطغى على عنصر العمل، كما حصل في الأنظمة الرأسمالية. الأنظمة الرأسمالية في الحقيقة تسمح للربح وللمزيد من الربح مهما كان كثيرًا وكبيرًا وبأي وسيلة. ليس في الأنظمة الرأسمالية بحسب الأساس ما يسمى بالمشروع واللامشروع. ليس تهجمًا على الرأسمالية لأني في وضع الدراسة ولست في وضع الخطابة والموعظة، ولكن نحن نعرف أن الرأسمالية التي تشكل شكل النظام القائم في الغرب، جزء من الحضارة الغربية، والحضارة الغربية كما أشرت في سابق الزمن ما اعتمدت على (إيديولوجية) أخلاقية ولا على فلسفة معينة.
في أواخر القرون الوسطى ونتيجة لردود الفعل السلبية التي حصلت نتيجة لتصرفات الكنيسة، الرجال المؤسسون للحضارة الحديثة خرجوا على الكنيسة وانتقموا من الدين ككلّ، ومن الله كأساس، ومن ما وراء الطبيعة كمدرسة فكرية، فقالوا ما لنا وما وراء الطبيعة، تركوا ما وراء الطبيعة جانبًا وبدأوا يؤسسون حضارتهم لا على قواعد أخلاقية إطلاقًا، قالوا: نترك الله والبحث فيما وراء الطبيعة وكل ما هو من شؤونه، نتركه في أماكن أخرى. نحن نشتغل حضارة، نشتغل مدنية، نشتغل إنتاجًا، لا نعرف أي قيد أو أي شرط. إذا ما قالوا هذا بلسانهم، نفذّوه بعملهم وبرأيهم. عندما تناقشهم في قضية تجارية أو في قضية صناعية حول الإنتاج وغير الإنتاج، يقول لك أحدهم: أنا لست برجل دين ولا خوري ولا عالم أخلاق، أنا تاجر. التجارة شيء، وهذه المبادىء شيء ثانٍ تمامًا. هذا له أساس طبعًا. أساس هذا التقسيم ناتج من مبدأ انطلاقة الحضارة الغربية.
الحضارة الغربية كيف انطلقت؟ انطلقت لا على أساس مبادىء أخلاقية، نحن هنا، حقوق إنسان تضيع، فليكنْ، هناك بشر يبقون جائعين، ليس هناك أي بحث حول هذه المواضيع حينما انطلقت. وعلى هذا الأساس حينما تأتي الرأسمالية الغربية في توزيع الإنتاج على العناصر الثلاثة لا يهمها العدل في التوزيع.
يعني ما هو دور هذه العناصر الثلاثة في الإنتاج؟ كل واحد أنتج كم في المئة؟ هذا عشرة بالمئة، هذا عشرين بالمئة، هذا خمسين بالمئة... ليس هناك سؤال، بل صراع. يُغلِّب رأس المال القاهر المسنود بالقانون وبالنظام يطغى فيحاول تقليل أجرة العامل قدر المستطاع. لو تمكنت ألا تعطي للعامل شيئًا لما أعطت، ولكان العامل يموت. فإذًا، العامل بحاجة إلى أن يأخذ بعض الزاد حتى يعيش، بلا تشبيه مثل الحيوان الذي يستثمره الإنسان، إذا يقدم للحيوان للدابة الأكل لا شفقة على الحيوان، وإنما استمرارًا لحياة الحيوان لكي يتمكن من الاستغلال والاستثمار لهذا الحيوان. هكذا عُومِل العامل من قبل أنظمة الرأسمالية في الداخل وفي الباطن. أُعطيَ للعامل أقل ما يمكن أن يُعطى، واستُعمل في هذا السبيل ألف وسيلة فكرية وعملية من الوسائل الخطرة التي استعملت لأجل تخفيض حقّ العامل.
المضاربة يعني تركوا المجال للمنافسة، حينما الحضارة الغربية عمليًا، كما سوف أشرح لكم، عطّلت إمكانية إنتاج الزراعة وتأمين الزراعة للقوت فاضطر الفلّاحون أن ينزحوا بالمئات والآلاف والتجأوا إلى المصانع. جاء هذا العامل، كم تأخذ في الشهر؟ مئة وخمسون ليرة؟ لا، هناك من يرضى بمئة وعشرين، ومن يرضى بمئة ليرة، ومن يرضى بتسعين. هذه المضاربة بينهم، التنافس ساعد ربّ العمل، الذي هو جزء من النظام القائم العام، نظام الظلم أو الربا الذي نسميه، أن يفرض على العامل أقل ما يمكن من الأجرة بمقدار ما يتمكن من العيش.
هذا الأسلوب في فترة من الزمن كان قائمًا طبعًا واستُعملت وسائل أخرى، وسائل فلسفية أيضًا استُعملت لإقناع العامل بأن هذا هو الحق وبوسائل عديدة، والقانون طبعًا كان يحمي الأقوياء كما هو دائمًا وغالبًا. نتيجة لهذا الظلم المستمر حصل هناك ردود فعل بطبيعة الحال، الذي نسميه بالصراع الطبقي. الصراع الطبقي تكوّن لا لذاتية الصراع في داخل المجتمع كما سوف أبحث فيه، بل نتيجة لوجود الظلم المُمارس من قبل ربّ العمل، أو ما نسميه برأس المال من جراء اضطهاد العامل. فالعامل اضطر أن يتحرك؛ التحركات الأولية طبعًا كانت تحركات عفوية فردية، بالتدريج تحولت إلى تحركات مدروسة وجماعية ونجحت. في مكان ما التحرك ما نجح وفي مكان آخر نجح وهكذا.
هذه صورة موجزة عن موقف الأنظمة الرأسمالية تجاه توزيع الثروة لهذه العوامل الثلاثة، على هذا الأساس قدر ما تمكنوا من اختصاص الإنتاج إلى ربّ العمل ما قصروا، وحينما وجدوا أن هناك تململًا وتحركًا قد يُنذرا الجهاز حاول أشخاص مثل روبرت أوين البريطاني كما تعرفون والذي سُمي مؤخرًا أبو الاشتراكية، حاول هو أن يعطي، وهو صاحب المصنع، أن يعطي بعض مزايا وامتيازات للعامل: بالنسبة لساعات العمل، بالنسبة لإعفاء الأطفال والحوامل والنساء عن العمل، بالنسبة لقوانين معروفة، أوين من أشهر الناس في الحركة الاقتصادية في العالم. هذا موقف.
الموقف الثاني، هو الموقف المضاد والذي نتج كردة فعل للظلم الممارس من قبل رأس المال أو من قبل رب العمل. الموقف الذي يتلخص في التنكر لتأثير رب العمل أو رأس المال في الإنتاج فاعتبر أن العمل وحده هو، بشكل بسيط أو مركب، مباشر أو غير مباشر، يحدد الإنتاج. فالبضاعة يجب أن تتحول إلى العمل مباشرة لأنه لا مشارك في الإنتاج غير العمل. هذه النظرية، التي بدأت كردة فعل ضد الظلم الرأسمالي ضد ظلم ربّ العمل، فُلسفت مؤخرًا من قبل الاشتراكية العلمية أو ما سمي بالشيوعية مؤخرًا كفلسفة ماركس، فلسفها حسب نظرية القيمة. يعني اعتمد أن قيمة كل شيء هو كمية العمل المتجسد في هذا الشيء. فإذًا، ربّ العمل ولو ربح نصف فرنك فهو سارق، كل الحق للعامل. وعلى هذا الأساس اعتمد نسبة توزيع البضاعة بين الآلة وبين العامل حسب نظريته التي سميناها نظرية القيمة ثم نظرية فائض القيمة التي تحدد كيفية الإنتاج والتوزيع.
هذا الموضوع بالذات يرتبط بحديثنا في الأسبوع القادم حول القيمة، وتحديد القيمة. نحن أمام هذا الموقف الظالم، وأمام ردود الفعل، ندرس الموضوع بأعصاب هادئة ودون أي ظلم أو انحياز أو ردة فعل. نفكر أن هذه العناصر الثلاثة، العمل والآلة ورأس المال، هذه العوامل تشترك في الإنتاج. لا يتم الإنتاج دون هذه العناصر الثلاثة. فلنوزع ْالإنتاج على مجموع هذه العناصر الثلاثة، كيف نوزع؟ هذا السؤال.
مبدئيًا ننظر إلى موقف الإسلام من توزيع الإنتاج إلى هذه العناصر الثلاثة. هذه النظرية تتلخص في فصلين، الفصل الأول نقاط القوة والامتيازات التي يعطيها الإسلام للعناصر الثلاثة للإنتاج، والفصل الثاني نظرية القيمة حسب منطق الإسلام في نظرية القيمة. 
أما بالنسبة للفصل الأول، نحن إذا لاحظنا الفقه ككلّ، الفقه الإسلامي ككلّ بين هلالين، نحن حينما نقول الاقتصاد الإسلامي أو الرأي الإسلامي في ذلك لا نقصد أن محمدًا بن عبد الله (صلى الله علبه وآله وسلّم) فتح فصلًا خاصًا في القرآن الكريم سمّاه الاقتصاد، أو أن فقهاء المسلمين فيما بعد فتحوا كتابًا خاصًا في الفقه سموه الاقتصاد. إنما نقصد أن الإنسان العاقل العالم حينما ينظر إلى الأحكام الفقهية والمواقف الإسلامية المتعددة في مختلف شؤون الفقه والأحكام يستخرج من هذه مذهبًا نسميه المذهب الاقتصادي في الإسلام، وإلّا لا يوجد شيء.
الآن أنت إذا تراجع القرآن الكريم لا تجد هناك باب الاقتصاد أو آيات الاقتصاد. وهذا الذي أدّى ببعض البسطاء من الفقهاء، وقد سمعت أحد كبارهم يقول ليس هناك اقتصاد في الإسلام. طبعًا هذه سطحية في التفكير. ولكن حينما يريد الإنسان أن يستخرج موقفًا اقتصاديًا هل يمكن أن نسمي الاقتصاد الإسلامي بالاقتصاد الرأسمالي؟ هل يمكن أن نسمّي الاقتصاد الإسلامي بالاقتصاد الاشتراكي؟ على أي أساس تريد أن تسمي؟ على أساس المواقف. يعني ما هو موقف الإسلام من توزيع الثروة؟ ما هو موقف الإسلام من حقّ العامل؟ ما هو موقف الإسلام من المسائل الاقتصادية المختلفة، فتستخرج من المجموعة رأيًا إسلاميًا. فإذا قلنا نحن رأي الإسلام في الموضوع علينا أن نستعرض جميع الأحكام الفقهية في المعاملات وربما في باب العبادات حتى نستخرج منهما موقفًا. ولذلك تراني في هذه الليلة آتي بحكم من الشرق وحكم من الغرب، غرب الفقه وليس الغرب والشرق، الكتب الفقهية من هنا وهناك نستخرج حتى نجد ما هو موقف الإسلام بالنسبة للتوزيع. 
كيف ينظر الإسلام إلى العناصر الثلاثة في الإنتاج وما هو العنصر المفضل؟ فورًا أقول العنصر المفضل هو العمل. لماذا؟ لأن المبادئ العامة والشروط العامة التي فرضها الإسلام على اتفاقية الإنتاج تعطي فرصًا للعمل لا تُعطى لغير العمل. ولكي نعرف هذه الأبحاث عليكم بالانتباه إلى النقاط التالية:
أولًا، الإسلام حرّم الربا وحارب الربا واعتبر الربا من أشدّ المعاصي. وقال الحديث المتواتر: درهم من الربا أشدّ عند الله من سبعين زنية، حتى بتعبير أشدّ من هذا، لا أحبّ أن أنقل. الربا أشدّ المحرمات، ولا محلل للربا، ولا طريق لتحليل الربا حتى ولو كان قليلًا في الأرباح. 
ما هو الربا الذي حرّمه الإسلام؟ وماذا يعطينا من فكرة لأجل استخراج مذهب اقتصادي؟
تحريم الربا: الربا هو كما نعرف إنتاج النقد أو ما نسميه برأس المال، الإنتاج الذي لا يقترن بالعمل. يعني تفسيره الفقهي كل قرض يجر نفعًا. هذا التفسير الفقهي، الذي يقوله الفقهاء. يعني آخذ منك مالًا وأنت تنام لا تشتغل شيئا، أنا أتخبط، أشتغل، لا أشتغل، آكل، أموت... لا فرق معك، أنت أول الشهر تريد أربعة بالمئة، آخر السنة تريد كذا بالمئة، ماذا عندي؟ المال، بحدّ ذاته المال ينتج وينجب، هذا هو الربا. يعني الإنجاب الذي يعطيه رأس المال بمعزل عن الشغل، هذا هو الربا. كل قرض يجرّ نفعًا. والصورة الاقتصادية للموضوع هو إنجاب رأس المال المجرد عن عناصر الإنتاج، يعني المال لوحده يولد، هذا اسمه ربا، وهذا لا يعقل في الإسلام. إنه مال ولو كان مليارات يترك في وسط الأرض ويعطي زيادة، هذا لا يتصوره الإسلام ويعتبر أن هذا حرام. فإذًا، رأس المال لا يمكن أن ينجب، هذا هو مفهوم الربا. هذا الحكم الأول الذي يجب أن نأخذه بعين الاعتبار لأجل استخراج مذهبنا الاقتصادي. حسنًا! هل يجوز ثلاثة بالمئة؟ لا، واحد بالمئة؟ لا. الذي سيحدث فليحدثْ، النظام الربويّ بكامله مرفوض في الإسلام.
الحكم الثاني، بالنسبة للآلة: الآلة التجارية كالمصانع، أو الآلة الزراعية كالبقرة التي كانوا يستعملونها سابقًا؛ أيام الفقهاء الأوائل ما كان هناك تراكتور... كان البقر ولكن شيء واحد، الآلة آلة. اليوم يوجد تراكتور، أو بالنسبة إلى الوسائل الأخرى مثل الدكان التي كانت تستعمل في سابق الزمن كوسيلة أو كآلة كما قلت، للإنتاج التجاري أو الإنتاج الاقتصادي أو الصناعي القديم كان المغزل والوسائل البسيطة للإنتاج. هناك موقف إسلامي وارد في كتاب الزراعة، وكتاب الزراعة ليس موجودًا بالفقه بل هناك كتاب المزارعة، والمساقاة، والمغارسة وقسم من كتاب الإجارة، كتب فقهية مختلفة ليس باسم كتاب الزراعة، هناك نقرأ الحكم التالي:
لا يجوز أن نخصص حصة من الإنتاج للآلة، يعني، يُسأل المشرع الذي هو الإمام مثلًا، الإمام الصادق أو غيره مثل بعضهم بالنسبة لنا، يُسأل: إنّ شخصًا عنده بستان، عنده أرض، وعنده فلاحون وعنده بقر، الإنتاج كيف يتوزع؟ هل يجوز أن نقول حصة لصاحب الأرض وحصة للعامل أو الفلاح وحصة للبقرة ولو خمسة بالمئة أو عشرة بالمئة؟ يرفض الإمام ذلك. يعني لا يمكن إعطاء الحصة في الإنتاج للآلة. على ضوء هذا الموقف نرجع في المصانع الكبرى ونقول الإسلام لا يسمح بإعطاء حصة من الأرباح للآلة، فإذًا الآلة كيف تستفيد؟ الآلة كذلك هي للناس، فلان رب العمل، أنا صاحب المصنع، أنت عامل، أنا وضعت مصنعي لأشترك في الربح، لا، أنت لك حق الأجرة، الأجرة يعني أجر ثابت، يعني حسب ما تحدد القيمة في المستقبل يوجد لك أجرة، يعني يعتبر من نفقات الإنتاج، ولا يعتبر مساهمة في الإنتاج. يعني يعطون الآلة شيئًا معينًا، نستأجر الماكينة بمئة ليرة أو بمئتين ليرة أو بألفين ليرة نضع كرأسمال بالنسبة للإنتاج لا أكثر ولا أقل. هذا الحكم الثاني، لماذا؟ كل هذه المواضيع سنتحدث عنها. الآن نستعرض الأحكام التي نريد أن نستخرج منها موقف الإسلام من توزيع الإنتاج.
ثالثًا، بالنسبة إلى العامل، ماذا جعل الإسلام للعامل من أبواب المشاركة في الإنتاج؟ نقرأ صورتين من إمكانية مشاركة العامل في الإنتاج.
الصورة الأولى ما يسمى بصورة الإيجار:
نحن عندنا بالفقه كتاب باسم كتاب الإجارة وقسم من كتاب الإجارة يخصص للإيجار. الإيجار يعني إيجار الشخص. يعني يأتي شخص معين إلى شخص آخر يشتغل بأحد الأقسام الثلاثة التي ذكرتها في الأسبوع الماضي، تجاه مبلغ معين من المال، يشتغل ساعات بأجر معين، هذا وارد ممكن طبعًا، بأي نسبة؟ هنا تأتي حماية الدولة. ولكن في الأساس مسموح للشخص أن يبيع خدماته بمبلغ معين محدد.
الصورة الثانية صورة المضاربة:
المضاربة في الفقه أن يأخذ شخص مالًا من شخص آخر، ألف ليرة لك ثم تعطيني إياها. أنا أشتغل بمالك بالتجارة بالصناعة بالزراعة بأي شيء ثم أستفيد من هذا الألف بمئة ليرة، هذه المئة ليرة تتوزع بيني وبينك، أنت من؟ رأس المال يعني صاحب الألف ليرة، وأنا من؟ العامل المضارب. عملي يتعاون مع مالك فينتج، الإنتاج يتوزع، كيف يتوزع بالنصف، بالثلث، بالربع، أكثر، أقل... فيما بعد نتحدث فيه ولكن هذا الباب مفتوح بالفقه.
فإذًا، العامل يتمكن أن يبيع خدماته بسعر مقطوع ذلك الذي نسميه بالأجرة ويحقّ له أن يشترك في النتيجة بحصة من الأرباح، لا بسعر محدود. لو كان يأخذ سعرًا محدودًا ربما كان يأخذ مئة ليرة ولكن ربما يكون الإنتاج خمسة آلاف ليرة... مساهم في الإنتاج أقل أو أكثر. هذه الصورة الثانية.
ونضيف هنا نقطة أخرى: إذا كان العامل الذي يأخذ المال من شخص ربِحَ، الربح يوزَّع بين العامل وبين رأس المال؛ وإذا خسر، الخسارة على رأس المال وليس على العامل. والفقهاء يؤكدون ذلك.
هذه الأحكام التي عرضت تعطينا صورة واضحة إذا لاحظناها ككل. تعطينا صورة واضحة عن موقف الإسلام أمام النقاط الخاصة بالتوزيع على العوامل الثلاثة للإنتاج. كيف يعني؟ العمل له امتيازات ثلاثة، يحق له أن يبيع خدماته بقيمة مقطوعة، هذا الذي نسميه بالأجرة ويحق له أن يشترك في الربح بنسبة معينة، هذا الذي نسميه بالمضاربة. وعلى كل حال العمل مصون عن الخسارة
ثلاث نقاط، هذا العنصر الأول عنصر العمل. نرجع لعنصر رأس المال، عنصر رأس المال أو عنصر ربّ العمل، هل يحق له أن يتقاضى أجرًا مقطوعًا؟ لا، لماذا؟ لأنه ربا... المال إذا تقاضى أجرًا مقطوعًا صار ربا، كل قرض يجر نفعًا يعني رأس المال الذي أنجب لوحده فإذًا، هذه الميزة ليست له. نعم، يحقّ له أن يشترك في الربح بنسبة مئوية معينة، هذا الذي نسميه بالمضاربة كما قلنا، وعلى كل حال ليس مصونًا عن الخسارة. فإذًا، رأس المال في مذهبنا الاقتصادي المستخرج له ميزة واحدة، إمكانية المشاركة في الأرباح، ليس له حقّ أن يتقاضى أجرًا ثابتًا لأن هذا ربا، وليس له حقّ أن يصان عن الربح لأن هذا باطل. أما الآلة كبقرة، كمصنع، كدكانة فيحقّ لها أن تتقاضى أجرًا بطبيعة الحال كما قلنا. هل يحقّ لها أن تشترك في الأرباح؟ لا، وبطبيعة الحال عندما لا يحقّ لها أن تشترك في الأرباح ليس البحث في الربح والخسارة واردًا في الأساس بالنسبة إليها.
فإذًا، عندما نستعرض عناصر الإنتاج الثلاثة نجد أن للعامل ثلاثة امتيازات:
1- إمكانية تقاضي الأجر المقطوع، يعني التجنب عن زيادة الربح والنقيصة هذا الذي يسمونه risk.
2- الثاني، إمكانية المشاركة في الأرباح.
3- الثالث، تجنب الخسارة.
أما رأس المال فله ميزة واحدة، والآلة لها ميزة واحدة، بينما العمل له ثلاثة امتيازات. عند ذلك نتمكن أن نقول إن العمل أُعطي امتيازات أكثر. هنا يأتي سؤالان: السؤال الأول عرفنا ذلك، ولكن هل هناك حدود في حصة العمل ورأس المال والآلة، يجب أن يكون هناك حدود، هذا السؤال الأول. السؤال الثاني: طالما أن هناك حدودًا لهذه المشاركة، ما هي؟ ولماذا؟ لماذا لا تُعطى الآلة حقّ المشاركة في الأرباح؟ لماذا لا يُعطى لرأس المال حقّ تقاضي الأجر المقطوع؟ ولماذا يُعطى للعمل هذه الميزات الثلاث؟ هذا البحث لماذا؟ وحدود التوزيع موقوف على معرفة نظرية القيمة. يجب علينا أن ندرس أولًا قيمة الأشياء. هذا الكبريت يعادل عشرة قروش لماذا؟ ما هو حدّ تحديد الكبريت؟ وطالما أنه عشرة قروش، لمن هذا المال؟ هذا الذي يجب أن ندرسه حتى نتمكن من التوزيع العادل في الحصص
هذا المبدأ العام للحديث في هذه الليلة، وأمامنا، أولًا، معرفة نظرية القيمة لمعرفة سبب هذه الامتيازات؛ ثانيًا، لمعرفة كمية مساهمة وحصة كل من عوامل الإنتاج الثلاثة في الإنتاج.
والسلام عليكم.

source
عدد مرات التشغيل : 3